اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 66
بعض المحدثين ، واختلفو في غير ذلك ، والقواعد من ذلك سبع مسائل :
المسألة الاولى : اختلفوا في ميتة الحيوان الذي لا دم له ، وفي ميتة
الحيوان البحري ، فذهب قوم إلى أن ميتة ما لا دم له طاهرة ، وكذلك ميتة
البحر ، وهو مذهب مالك وأصحابه وذهب قوم إلى التسوية بين ميتة ذوات الدم .
والتي لا دم لها في النجاسة ، واستثنوا من ذلك ميتة البحر ، وهو
مذهب الشافعي ، إلا ما وقع الاتفاق على أنه ليس بميتة مثل دود الخل ، وما
يتولد في المطعومات ، وسوى قوم بين ميتة البر والبحر ، واستثنوا ميتة ما لا
دم له ، وهو مذهب أبي حنيفة .
وسبب اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله تعالى :
﴿ حرمت عليكم الميتة ﴾
وذلك أنهم - فيما أحسب - اتفقوا أنه من باب العام أريد به الخاص ، واختلفوا أي خاص أريد به ، فمنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر .
وما لا دم له ، ومنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر فقط ، ومنهم من استثنى من ذلك ميتة ما لا دم له فقط .
وسبب اختلافهم في هذه المستثنيات : هو سبب اختلافهم في الدليل المخصوص .
أما من استثنى من ذلك ما لادم له ، فحجته مفهوم الاثر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام من أمره بمقل الذباب إذا وقع في الطعام .
قالوا : فهذا يدل على طهارة الذباب ، وليس لذلك علة إلا أنه غير ذي دم .
وأما الشافعي فعذره أن هذا خاص بالذباب لقوله عليه الصلاة والسلام :
فإن في إحدى جناحيه داء وفي الاخرى دواء ووهن الشافعي هذا المفهوم من
الحديث بأن ظاهر الكتاب يقتضي أن الميتة والدم نوعان من أنواع المحرمات :
أحدهما تعمل فيه التذكية ، وهي الميتة ، وذلك في الحيوان المباح الاكل
باتفاق ، والدم لا تعمل فيه التذكية ، فحكمهما مفترق فكيف يجوز أن يجمع
بينهما حتى يقال : إن الدم هو سبب تحريم الميتة ؟ وهذا قوي كما ترى ، فإنه
لو كان الدم هوالسبب في تحريم الميتة ، لما كانت ترتفع الحرمية عن الحيوان
بالذكاة ، وتبقى حرمية الدم الذي لم ينفصل بعد عن المذكاة ، وكانت الحلية
إنما توجد بعد انفصال الدم عنه ، لانه إذا ارتفع السبب ارتفع المسبب الذي
يقتضيه ضرورة ، لانه إن وجد السبب والمسبب غير موجود ، فليس هو سببا ،
ومثال ذلك أنه إذا ارتفع التحريم عن عصير العنب ، وجب ضرورة أن يرتفع
الاسكار إن كنا نعتقد أن الاسكار هو سبب التحريم .
وأما من استثنى من ذلك ميتة البحر ، فإنه ذهب إلى الاثر الثابت في
ذلك من حديث جابر وفيه : أنهم أكلوا من الحوت الذي رماه البحر أياما ،
وتزودوا منه وأنهم أخبروا بذلك رسول الله ( ص ) ، فاستحسن فعلهم وسألهم :
هل بقي منه شئ ؟ وهو دليل على أنه لم يجوز لهم لمكان ضرورة خروج الزاد عنهم
.
واحتجوا أيضا بقوله عليه الصلاة والسلام : هو
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 66