اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 65
في ذلك ، لان الاحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي من
باب محاسن الاخلاق ، أو من باب المصالح وهذه في الاكثر هي مندوب إليها ،
فمن حمل قوله تعالى وثيابك فطهر )
على الثياب المحسوسة قال : الطهارة من النجاسة واجبة ، ومن حملها
على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيها حجة ، وأما الاثار المتعارضة في ذلك
، فمنها حديث صاحبي القبر المشهور ، وقوله فيهما ( ص ) : إنهما ليعذبان
وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله فظاهر هذا الحديث
يقتضي الوجوب ، لان العذاب لا يتعلق إلا بالواجب ، وأما المعارض لذلك فما
ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من : أنه رمي عليه ، وهو في الصلاة سلا جزور
بالدم والفرث ، فلم يقطع الصلاة وظاهر هذا أنه لو كانت إزالة النجاسة واجبة
كوجوب الطهارة من الحدث ، لقطع الصلاة ، ومنها ما روي : أن النبي عليه
الصلاة والسلام كان في صلاة من الصلوات يصلي في نعله .
فطرح نعليه ، فطرح الناس لطرحه نعليه ، فأنكر ذلك عليهم عليه الصلاة والسلام وقال : إنما خلعتها ، لان جبريل أخبرني أن فيها قذرا .
فظاهر هذا أنه لو كانت واجبة لما بنى على ما مضى من الصلاة .
فمن ذهب في هذه الاثار مذهب ترجيح الظواهر ، قال : إما بالوجوب إن
رجح ظاهر حديث الوجوب ، أو بالندب إن رجح ظاهر حديثي الندب ، أعني الحديثين
اللذين يقتضيان أن إزالتها من باب الندب المؤكد ، ومن ذهب مذهب الجمع ،
فمنهم من قال : هي فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع النسيان وعدم القدرة .
ومنهم من قال : هي فرض مطلقا ، وليست من شروط صحة الصلاة ، وهي قول
رابع في المسألة وهو ضعيف ، لان النجاسة إنما تزال في الصلاة وكذلك من فرق
بين العبادة المعقولة المعنى ، وبين الغير معقولته أعني أنه جعل الغير
معقولة آكد في باب الوجوب فرق بين الامر الوارد في الطهارة من الحدث ، وبين
الامر الوارد في الطهارة من النجس ، لان الطهارة من النجس معلوم أن
المقصود بها النظافة ، وذلك من محاسن الاخلاق .
وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى مع ما اقترن من صلاتهم في
النعال مع أنها لا تنفعك من أن يوطأ بها النجاسات غالبا ، وما أجمعوا عليه
من العفو عن اليسير في بعض النجاسات .
الباب الثاني في معرفة أنواع النجاسات وأما أنواع النجاسات ، فإن
العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة : ميتة الحيوان ذي الدم الذي ليس
بمائي ، وعلى لحم الخنزير بأي سبب اتفق أن تذهب حياته ، وعلى الدمنفسه من
الحيوان الذي ليس بملئي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسفوحا ، أعني
كثيرا ، وعلى بول ابن آدم ورجيعه ، وأكثرهم على نجاسة الخمر ، وفي ذلك خلاف
عن
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 65