اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 56
التقديم والتأخير مجاز ، وحمل الكلام على الحقيقة أولى من حمله
على المجاز ، وقد يظن أن في الاية شيئا يقتضي تقديما وتأخيرا ، وهو أن
حملها على ترتيبها يوجب أن المرض والسفر حدثان ، لكن هذا لا يحتاج إليه إذا
قدرت أو هاهنا بمعنى الواو ، وذلك موجود في كلام العرب في مثل قول الشاعر :
وكان سيان أن لا يسرحوا نعما أو يسرحوه بها واغبرت السرح فإنه إنما يقال :
سيان زيد وعمرو ، وهذا هو أحد الاسباب التي أوجبت الخلاف في هذه المسألة .
وأما ارتيابهم في الاثار التي ورد ت في هذا المعنى ، فبين مما خرجه
البخاري ومسلم : أن رجلا أتى عمر رضي الله عنه فقال : أجنبت فلم أجد الماء ،
فقال : لا تصل ، فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في
سرية فأجنبنا ، فلم نجد الماء ، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في
التراب فصليت ، فقال النبي ( ص ) : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك ، ثم تنفخ
فيهما ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ؟ فقال عمر : اتق الله يا عمار ، فقال :
إن شئت لم أحدث به .
وفي بعض الروايات : أنه قال له عمر : نوليك ما توليت .
وخرج مسلم عن شقيق قال : كنت جالسا مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى
فقال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلا أجنب ، فلم يجد الماء
شهرا كيف يصنع بالصلاة ؟ فقال عبد الله لابي موسى : لا يتيمم وإن لم يجد
الماء شهرا ، فقال أبو موسى فكيف بهذه الاية في سورة المائدة :
﴿ فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ﴾
فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذه الاية لاوشك إذا بردعليهم الماء
أن يتيمموا بالصعيد ، فقال أبو موسى لعبد الله : ألم تسمع لقول عما ؟ وذكر
له الحديث المتقدم ، فقال له عبد الله : ألم تر عمر لم يقنع بقول عمار لكن
الجمهور رأوا أن ذلك قد ثبت من حديث عمار وعمران بن الحصين ، خرجهما
البخاري ، وإن نسيان عمر ليس مؤثرا في وجوب العمل بحديث عمار ، وأيضا فإنهم
استدلوا بجواز التيمم للجنب والحائض بعموم قوله عليخ الصلاة والسلام جعلت
لي الارض مسجدا وطهورا .
وأما حديث عمران بن الحصين فهو : أن رسول الله ( ص ) رأى رجلا
معتزلا لم يصل مع القوم فقال : يا فلان أما يكفيك أن تصلي مع القوم ؟ فقال
يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء ، فقال عليه الصلاة والسلام : عليك
بالصعيدفإنه يكفيك ولموضع هذا الاحتمال اختلفوا هل لمن ليس عنده ماء أن يطأ
أهله أم لا يطؤها ؟ أعني من يجوز للجنب التيمم .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 56