اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 40
آخر الطهر ، وفي حديث أم سلمة أيضا ، وقد سألته عليه الصلاة
والسلام : هل تنقض ضفر رأسها لغسل الجنابة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام :
إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء فإذا
أنت قد طهرت وهو أقوى في إسقاط التدلك ، من تلك الاحاديث الاخر ، لانه لا
يمكن هنالك أن يكون الواصف لطهره قد ترك التدلك وأما هاهنا فإنما حصر لها
شروط الطهارة ، ولذلك أجمع العلماء على أن صفة الطهارة الواردة من حديث
ميمونة وعائشة هي أكمل صفاتها ، وأن ما ورد في حديث أم سلمة من ذلك ، فهو
من أركانها الواجبة ، وأن الوضوء في أول الطهر ليس من شرط الطهر إلا خلافا
شاذا ، روي عن الشافعي ، وفيه قوة من جهة ظواهر الاحاديث ، وفي قول الجمهور
قوة من جهة النظر ، لان الطهارة ظاهر من أمرها أنها شرط في صحة الوضوء ،
لا أن الوضوء شرط في صحتها ، فهو من باب معارضة القياس الاحاديث على القياس
، فذهب قوم كما قلنا إلى ظاهر الاحاديث ، وغلبوا ذلك على قياسها على
الوضوء ، فلم يوجبوا التدلك ، وغلب آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على
ظاهر هذه الاحاديث ، فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء .
فمن رجح القياس صار إلى إيجاب التدلك ، ومن رجح ظاهر الاحاديث على
القياس صار إلى إسقاط التدلك ، وأعني بالقياس ، قياس الطهر على الوضوء .
وأما الاحتجاج من طريق الاسم ففيه ضعف إذ كان اسم الطهر والغسل ينطلق في كلام العرب على المعنيين جميعا على حد سواء .
المسألة الثانية : اختلفوا هل من شروط هذه الطهارة النية أم لا ؟
كاختلافهم في الوضوء ، فذهب مالك والشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور وداود
وأصحابه إلى أن النية من شروطها وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنها
تجزئ بغير نية كالحال في الوضوء عندهم .
وسبب اختلافهم : في الطهر هو بعينه سبب اختلافهم في الوضوء ، وقد تقدم ذلك .
المسألة الثالثة : اختلفوا في المضمضة والاستنشاق في هذه الطهارة
أيضا كاختلافهم فيهما في الوضوء ، أعني هل هما واجبان فيها أم لا ؟ فذهب
قوم إلى أنهما غير واجبين فيها ، وذهب قوم إلى وجوبهما ، وممن ذهب إلى عدم
وجوبهما مالك والشافعي وممن ذهب إلى وجوبهما أبو حنيفة وأصحابه .
وسبب اختلافهم : معارضة ظاهر حديث أم سلمة للاحاديث التي نقلت من
صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام في طهره ، وذلك أن الاحاديث التي نقلت من
صفة وضوئه في الطهر فيها المضمضة والاستنشاق وحديث أم سلمة ليس فيه أمر لا
بمضمضة ، ولا باستنشاق .
فمن جعل حديث عائشة وميمونة مفسرا لمجمل حديث أم سلمة ، ولقوله تعالى :
﴿ وإن كنتم جنبا فاطهروا ﴾
أوجب المضمضة
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 40