اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 383
سواها ، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كره الانتباذ في الدباء
والمزفت ولم يكره غيره ذلك ، وكره الثوري الانتباذ في الدباء والحنتم
والنقير والمزفت ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا بأس بالانتباذ في جميع
الظروف والاواني .
وسبب اختلافهم : اختلاف الآثار في هذا الباب .
وذلك أنه ورد من طريق ابن عباس النهي عن الانتباذ في الاربع التي كرهها الثوري ، وهو حديث ثابت .
وروى مالك عن ابن عمر في الموطأ أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى
عن الانتباذ في الدباء ، والمزفت وجاء في حديث جابر عن النبي عليه الصلاة
والسلام من طريق شريك عن سماك أنه قال : كنت نهيتكم أن تنبذوا في الدباء
والحنتم والنقير والمزفت فانتبذوا ولا أحل مسكرا وحديث أبي سعيد الخدري
الذي رواه مالك في الموطأ ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال : كنت نهيتكم
عن الانتباذ فانتبذوا .
وكل مسكر حرام .
فمن رأى أن النهي المتقدم الذي نسخ إنما كان نهيا عن الانتباذ في
هذه الاواني إذ لم يعلم ههنا نهي متقدم غير ذلك قال : يجوز الانتباذ في كل
شئ .
ومن قال إن النهي المتقدم الذي نسخ إنما كان نهيا عن الانتباذ مطلقا
قال : بقي النهي عن الانتباذ في هذه الاواني ، فمن اعتمد في ذلك حديث ابن
عمر قال بالآيتين المذكورتين فيه ، ومن اعتمد في ذلك حديث ابن عباس قال :
بالاربعة ، لانه يتضمن مزيدا ، والمعارضة بينه وبين حديث ابن عمر إنما هي
من باب دليل الخطاب .
وفي كتاب مسلم النهي عن الانتباذ في الحنتم ، وفيه أنه رخص لهم فيه إذا كان غير مزفت .
وأما المسألة الثانية : وهي انتباذ الخليطين ، فإن الجمهور قالوا
بتحريم الخليطين من الاشياء التي من شأنها أن تقبل الانتباذ ، وقال قوم :
بل الانتباذ مكروه ، وقال قوم : هو مباح ، وقال قوم : كل خليطين فهما حرام
وإن لم يكونا مما يقبلان الانتباذ فيما أحسب الآن .
والسبب في اختلافهم : ترددهم في هل النهي الوارد في ذلك هو على
الكراهة أو على الحظر ؟ وإذا قلنا إنه على الحظر ، فهل يدل على فساد المنهي
عنه أم لا ؟ وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن أن يخلط
التمر والزبيب ، والزهو والرطب ، والبسر والزبيب وفي بعضها أنه قال عليه
الصلاة والسلام لا تنتبذوا الزهو والزبيب جميعا ، ولا التمر والزبيب جميعا ،
وانتبذوا كل واحد منهما على حدة فيخرج في ذلك بحسب التأويل الاقاويل
الثلاثة : قول بتحريمه .
وقول بتحليله مع الاثم في الانتباذ .
وقول بكراهية ذلك .
وأما من قال إنه مباح ، فلعله اعتمد في ذلك عموم الاثر بالانتباذ في
حديث أبي سعيد الخدري ، وأما من منع كخليطين ، فإما أن يكون ذهب إلى أن
علة المنع هو الاختلاط لا ما يحدث من الاختلاط من الشدة في النبيذ ، وإما
أن يكون قد تمسك بعموم ما ورد أنه نهى عن الخليطين .
وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها .
واختلفوا إذا قصد تخليلهاعلى ثلاثة أقوال : التحريم ، والكراهية ، والاباحة .
وسبب اختلافهم :معارضة القياس للاثر واختلافهم في مفهوم الاثر ، وذلك أن أبا داود خرج من حديث
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 383