اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 358
العنق جاز أكلها أم لا ؟ وهل إن تمادى في قطع هذه حتى قطع النخاع
جاز ذلك أم لا ؟ وهل من شرط الذكاة أن لا يرفع يده حتى يتم الذكاة أم لا ؟
فهذه ست مسائل في عدد المقطوع وفي مقداره وفي موضعه وفي نهاية القطع وفي
جهته - أعني من قدام أو خلف - وفي صفته .
أما المسألة الاولى والثانية : فإن المشهور عن مالك في ذلك هو قطع
الودجين والحلقوم وأنه لا يجزئ أقل من ذلك : وقيل عنه بل الاربعة ، وقيل بل
الودجين فقط .
ولم يختلف المذهب في أن الشرط في قطع الودجين هو استيفاؤهما .
واختلف في قطع الحلقوم على القول بوجوبه فقيل كله ، وقيل أكثره .
وأما أبو حنيفة فقال : الواجب في التذكية هو قطع ثلاثة غير معينة من
الاربعة ، إما الحلقوم والودجان ، وإما المرئ والحلقوم وأحد الودجين ، أو
المرئ والودجان .
وقال الشافعي : الواجب قطع المرئ والحلقوم فقط .
وقال محمد بن الحسن : الواجب قطع أكثر كل واحد من الاربعة .
وسبب اختلافهم : أنه لم يأت في ذلك شرط منقول ، وإنما جاء في ذلك
أثران : أحدهما : يقتضي إنهار الدم فقط ، والآخر يقتضي قطع الاوداج مع
إنهار الدم ، ففي حديث رافع بن خديج أنه قال عليه الصلاة والسلام : ما أنهر
الدم وذكر اسم الله عليه فكل وهو حديث متفق على صحته .
وروي عن أبي أمامة عن النبي ( ص ) أنه قال : ما فرى الاوداج فكلوا
ما لم يكن رض نابأو نحر ظفر فظاهر الحديث الاول يقتضي قطع بعض الاوداج فقط
لان إنهار الدم يكون بذلك ، وفي الثاني قطع جميع الاوداج ، فالحديثان والله
أعلم متفقان على قطع الودجين ، إما أحدهما أو البعض من كليهما أو من واحد
منهما ، ولذلك وجه الجمع بين الحديثين أن يفهم من لام التعريف في قوله عليه
الصلاة والسلام : ما فرى الاوداج البعض لا الكل ، إذ كانت لام التعريف في
كلام العرب قد تدل على البعض ، وأما من اشترط قطع الحلقوم والمرئ فليس له
حجة من السماع ، وأكثر من ذلك من اشترط المرئ والحلقوم دون الودجين ، ولهذا
ذهب قوم إلى أن الواجب هو قطع ما وقع الاجماع على جوازه ، لان الذكاة لما
كانت شرطا في التحليل ولم يكن في ذلك نص فيما يجري وجب أن يكون الواجب في
ذلك ما وقع الاجماع على جوازه ، إلا أن يقوم الدليل على جواز الاستثناء من
ذلك .
وهو ضعيف لان ما وقع الاجماع على إجزائه ليس يلزم أن يكون شرطا في الصحة .
وأما المسألة الثالثة : في موضع القطع وهي إن لم يقطع الجوزة في
نصفها وخرجت إلى جهة البدن فاختلف فيه في المذهب ، فقال مالك وابن القاسم :
لا تؤكل ، وقال أشهب وابن عبد الحكم وابن وهب : تؤكل .
وسبب الخلاف : هل قطع الحلقوم شرط في الذكاة أو ليس بشرط ؟ فمن قال
إنه شرط قال : لا بد أن تقطع الجوزة ، لانه إذا قطع فوق الجوزة فقد خرج
الحلقوم سليما ، ومن قال إنه ليس بشرط قال : إن قطع فوق الجوزة جاز .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 358