اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 32
النجس .
والاحتمال الثالث : أن يكون الحكم أيضا إنما علق بها من جهة أنها
خارجة من هذين السبيلين ، فيكون على هذين القولين الاخير ورود الامر
بالوضوء من تلك الاحداث المجمع عليها ، إنما هو من باب الخاص أريد به العام
، ويكون عند مالك وأصحابه إنما هو من باب الخاص المحمول على خصوصه .
فالشافعي ، وأبو حنيفة اتفقا على أن الامر بها هو من باب الخاص أريد
به العام ، واختلفا أي عام هو الذي قصد به ؟ فمالك يرجح مذهبه بأن الاصل
هو أن يحمل الخا ص على خصوصه حتى يدل الدليل على غير ذلك ، والشافعي محتج
بأن المراد به المخرج لا الخارج ، باتفاقهم على إيجاب الوضوء من الريح الذي
يخرج من أسفل ، وعدم إيجاب الوضوء منه إذا خرج من فوق وكلاهما ذات واحدة
والفرق بينهما اختلاف المخرجين .
فكان هذا تنبيهما على أن الحكم للمخرج وهو ضعيف لان الريحين مختلفان في الصفة والرائحة .
وأبو حنيفة يحتج لان المقصود بذلك هو الخارج النجس لكون النجاسة
مؤثرة في الطهارة ، وهذه الطهارة وإن كانت طهارة حكمية فإن فيها شبها من
الطهارة المعنوية ، أعني طهارة النجس ، وبحديث ثوبان : أن رسول الله ( ص )
قاء ، فتوضأ وبما روي عن عمر وابن عمر رضي الله عنهما من إيجابهما الوضوء
من الرعاف ، وبما روي من : أمره ( ص ) المستحاضة بالوضوء لكل صلاة فكان
المفهوم من هذا كله عند أبي حنيفة الخارج النجس ، وإنما اتفق الشافعي وأبو
حنيفة على إيجاب الوضوء من الاحداث المتفق عليها وإن خرجت على جهة المرض
لامره ( ص ) بالوضوء عند كل صلاة المستحاضة والاستحاضة مرض .
وأما مالك : فرأى أن المرض له ها هنا تأثير في الرخصة قياسا أيضا
على ما روي من أن المستحاضة ، لم تؤمر إلا بالغسل فقط ، وذلك أن حديث فاطمة
بنت أبي حبيش هذا هو متفق على صحته ويختلف في هذه الزيادة فيه ، أعني
الامر بالوضوء لكل صلاة ولكن صححها أبو عمر بن عبد البر قياسا على من يغلبه
الدم من جرح ولا ينقطع ، مثل ما روي أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثغب
دما .
المسألة الثانية : اختلف العلماء في النوم على ثلاثة مذاهب : 1 - فقوم رأوا أنه حدث ،فأوجبوا من قليله وكثيره الوضوء .
2 - وقوم رأوا أنه ليس بحدث ، فلم يوجبوا منه الوضوء إلا إذا تيقن
بالحدث على مذهب من لا يعتبر الشك ، وإذا شك على مذهب من يعتبر الشك ، حتى
إن بعض السلف كان يوكل بنفسه إذا نام من يتفقد حاله ، أعني هل يكون منه حدث
أم لا ؟ 3 - وقوم فرقوا بين النوم القليل الخفيف ، والكثير المستثقل
فأوجبوا في الكثير المستنقل الوضوء دون القليل ، وعلى هذا فقهاء الامصار ،
والجمهور .
ولما كانت بعض الهيئات يعرض فيها الاستثقال من النوم أكثر من بعض
وكذلك خروج الحدث ، اختلف الفقهاء في ذلك فقال مالك : من نام مضطجعا أو
ساجدا ، فعليه الوضوء ، طويلا كان النوم ، أو قصيرا ، ومن نام جالسا
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 32