اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 29
ولغ فيه الكلب مخيل ومناسب في الشرع لنجاسة الماء الذي ولغ فيه ،
أعني أن المفهوم بالعادة في الشرع من الامر بإراقة الشئ ، وغسل الاناء منه
هو لنجاسة الشئ .
وما اعترضوا به من أنه لو كان ذلك لنجاسة الاناء لما اشترط فيه
العدد ، فغير نكير أن يكون الشرع يخص نجاسة دون نجاسة بحكم دون حكم تغليظا
لها .
قال القاضي : وقد ذهب جدي - رحمة الله عليه - في كتاب المقدمات إلى
أن هذا الحديث معلل معقول المعنى ليس من سبب النجاسة ، بل من سبب ما يتوقع
أن يكون الكلب الذي ولغ في الاناء كلبا ، فيخاف منه السم قال : ولذلك جاء
هذا العدد الذي هو السبع في غسله ، فإن هذا العدد قد استعمل في الشرع في
مواضع كثيرة في العلاج ، والمداواة من الامراض .
وهذا الذي قاله - رحمه الله - هو وجه حسن على طريقة المالكية ، فإنه
إذا قلنا إن ذلك الماء غير نجس ، فالاولى أن يعطي علة في غسله من أن يقول
إنه غير معلل وهذا طاهر بنفسه .
وقد اعترض عليه فيما بلغني بعض الناس بأن قال : إن الكلب الكلب لا يقرب الماء في حين كلبه .
وهذا الذي قالوه هو عند استحكام هذه العلة بالكلاب ، لا في مباديها ، وفي أول حدوثها فلا معنى لاعتراضهم .
وأيضا فإنه ليس في الحديث ذكر الماء .
وإنما فيه ذكر الاناء .
ولعل في سؤره خاصية من هذا الوجه ضارة أعني قبل أن يستحكم به الكلب ، ولا يستنكر ورود مثل هذا في الشرع .
فيكون هذا من باب ما ورد في الذباب إذا وقع في الطعام أن يغمس .
وتعليل ذلك أن في أحد جناحيه داء ، وفي الاخر دواء .
وأما ما قيل في المذهب من أن هذا الكلب هو الكلب المنهي عن اتخاذه
أو الكلب الحضري ، فضعيف ، وبعيد من هذا التعليل ، إلا أن يقول قائل : إن
ذلك - أعني النهي - من باب التحريج في اتخاذه .
المسألة الخامسة : اختلف العلماء في أسآر الطهر على خمسة أقوال :
فذهب قوم إلى أن أسآر الطهر طاهرة بإطلاق ، وهو مذهب مالك ، والشافعي ،
وأبي حنيفة وذهب آخرون إلا أنه يجوز للرجل أن يتطهر بسؤر المرأة ، ويجوز
للمرأة أن تتطهر بسؤر الرجل وذهبآخرون إلى أنه يجوز للرجل أن يتطهر بسؤر
المرأة ما لم تكن المرأة جنبا ، أو حائضا وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز لواحد
منهما أن يتطهر بفضل صاحبه إلا أن يشرعا معا ، وقال قوم : لا يجوز وإن
شرعا معا ، وهو مذهب أحمد بن حنبل وسبب اختلافهم في هذا اختلاف الاثار ،
وذلك أن في ذلك أربعة آثار : أحدها : أن النبي ( ص ) كان يغتسل من الجنابة
هو وأزواجه من إناء واحد .
والثاني : حديث ميمونة أنه اغتسل من فضلها .
والثالث : حديث الحكم الغفاري أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة أخرجه أبو داود والترمذي .
والرابع : حديث عبد الله بن سرجس قال : نهى رسول الله ( ص ) أن يغتسل الرجل بفضل المرأة ، والمرأة بفضل الرجل ، ولكن يشرعان معا .
فذهب العلماء في تأويل هذه الاحاديث مذهبين : مذهب الترجيح ، ومذهب الجمع في بعض والترجيح في بعض .
أما من رجح حديث اغتسال النبي ( ص ) مع أزواجه من إناء واحد على سائر الاحاديث ، لانه
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 29