اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 284
وقال آخرون : بل المحصر بالمرض .
فأما من قال إن المحصر ههنا هو المحصر بالعدو فاحتجوا بقوله تعالى :
﴿ فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ﴾
قالوا : فلو كان المحصر بمرض لما كان لذكر المرض بعد ذلك فائدة ، واحتجوا أيضا بقوله سبحانه :
﴿ فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ﴾
وهذه حجة ظاهرة .
ومن قال : إن الآية إنما وردت في المحصر بالمر ض فإنه زعم أن المحصر
هو من أحصر ، ولا يقال أحصر في العدو ، وإنما يقال حصره العد وأحصره المرض
، قالوا : وإنما ذكر المرض بعد ذلك لان المرض صنفان : صنف محصر وصنف غير
محصر ، وقالوا معنى قوله :
﴿ فإذا أمنتم ﴾
معناه من المرض .
وأما الفريق الاول فقالوا عكس هذا ، وهو أن أفعل أبدا وفعل في الشئ
الواحد إنما يأتي لمعنيين : أما فعل فإذا أوقع بغيره فعلا من الافعال وأما
أفعل فإذا عرضه لوقوع ذلك الفعل به يقال : قتله إذا فعل به فعل القتل ،
وأقتله إذا عرضه للقتل ، وإذا كان هذا هكذا فأحصر أحق بالعدو وحصر أحق
بالمرض ، لان العدو إنما عرض للاحصار ، والمرض فهو فاعل الاحصار .
وقالوا : لا يطلق الامن إلا في ارتفاع الخوف من العدو وإن قيل في
المرض فباستعارة ولا يصار إلى الاستعارة إلا لامر يوجب الخروج عن الحقيقة ،
وكذلك ذكر حكم المريض بعد الحصر الظاهر منه أن المحصر غير المريض ، وهذا
هو مذهب الشافعي .
والمذهب الثاني مذهب مالك وأبي حنيفة وقال قوم : بل المحصر ههنا
الممنوع من الحج بأي نوع امتنع إما بمرض أو بعدو أو بخطأ في العدد أو بغير
ذلك وجمهور العلماء على أن المحصر عن الحج ضربان : إما محصر بمرض وإما محصر
بعدو .
فأما المحصر بالعدوفاتفق الجمهور على أنه يحل من عمرته أو حجه حيث أحصر .
وقال الثوري والحسن بن صالح لا يتحلل إلا في يوم النحر ، والذين
قالوا : يتحلل حيث أحصر اختلفوا في إيجاب الهدي عليه وفي موضع نحره إذا قيل
بوجوبه وفي إعادة ما حصر عنه من حج أو عمرة ، فذهب مالك إلى أنه لا يجب
عليه هدي وأنه إن كان معه هدي نحره حيث حل وذهب الشافعي إلى إيجاب الهدي
عليه ، وبه قال أشهب .
واشترط أبو حنيفة ذبحه في الحرم وقال الشافعي : حيثما حل .
وأما الاعادة فإن مالكا يرى أن لا إعادة عليه .
وقال قوم : عليه الاعادة وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن كان أحرم بالحج عليه حجة وعمرة .
وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان ، وإن كان معتمرا قضى عمرته ، وليس
عليه عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن تقصير ، واختار أبو يوسف تقصيره وعمدة
مالك في أن لا إعادة عليه أن رسول الله ( ص ) حل هو وأصحابه بالحديبية ،
فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 284