اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 258
وعمدة هؤلاء حديث ابن عباس أن النبي ( ص ) سمع رجلا يقول : لبيك
عن شبرمة ، قال : ومن شبرمة ؟ فقا : أخ لي ، أو قال : قريب لي ، قال :
أفحججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : فحج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة .
والطائفة الاولى عللت هذا الحديث بأنه قد روي موقوفا على ابن عباس .
واختلفوا من هذا الباب في الرجل يؤاجر نفسه في الحج ، فكر ذلك مالك ،
والشافعي ، وقالا : إن وقع ذلك جاز ولم يجز ذلك أبو حنيفة وعمدته أنه قربة
إلى الله عزوجل ، فلا تجوز الاجارة عليه ، وعمدة الطائف الاولى إجماعهم
على جواز الاجارة في كتب المصاحف ، وبناء المساجد ، وهي قربة .
والاجارة في الحج عند مالك نوعان : أحدهما : الذي يسميه أصحابه على
البلاغ ، وهو الذي يؤاجر نفسه على ما يبلغه من الزاد ، والراحلة فإن نقص ما
أخذه عن البلاغ ، وفاه ما يبلغه ، وإن فضل عن ذلك شئ ، رده .
والثاني : على سنة الاجارة ، وإن نقص شئ ، وفاه من عنده ، وإن فضل شئ ، فله .
والجمهور على أن العبد لا يلزمه الحج حتى يعتق ، وأوجبه عليه بعض أهل الظاهر .
فهذه معرفة على من تجب هذه الفريضة ، وممن تقع .
وأما متى تجب ، فإنهم اختلفوا هل هي على الفور ، أو على التراخي ؟
والقولان متأولان على مالك ، وأصحابه ، والظاهر عند المتأخرين من أصحابه
أنها على التراخي ، وبالقول إنها على الفور قال البغداديون من أصحابه
واختلف في ذلك قول أبي حنيفة وأصحابه ، والمختار عندهم أنه على الفور .
وقال الشافعي : هو على التوسعة وعمدة من قال هو على التوسعة أن الحج فرض قبل حج النبي ( ص ) بسنين .
فلو كان على الفور لما أخره النبي ( ص ) ، ولو أخره لعذر ، لبينه .
وحجة الفريق الثاني : أنه لما كان مختصا بوقت ، كان الاصل تأثيم
تاركه حتى يذهب الوقت ، أصله وقت الصلاة ، والفرق عند الفريق الثاني بينه ،
وبين الامر بالصلاة أنه لا يتكرر وجوبه يتكرار الوقت ، والصلاة بتكرر
وجوبها بتكرار الوقت .
وبالجملة فمن شبه أول وقت من أوقات الحج الطارئة على المكلف
المستطيع بأول الوقت من الصلاة قال : هو على التراخي ، ومن شبهه بآخر الوقت
من الصلاة قال : هو على الفور ، ووجه شبهه بآخر الوقت أنه ينقضي بدخول وقت
لا يجوز فيه فعله ، كما ينقضي وقت الصلاة بدخول وقت ليس يكون فيه المصلي
مؤديا ، ويحتج هؤلاء بالضرر الذي يلحق المكلف بتأخيره إلى عام آخر بما يغلب
على الظن من إمكان وقوع الموت في مدة من عام .
ويرون أنه بخلاف تأخير الصلاة من أول الوقت إلى آخره ، لان الغالب
أنه لا يموت أحد في مقدار ذلك الزمان إلا نادرا ، وربما قالوا : إن التأخير
في الصلاة يكون مع مصاحبة الوقت الذي يؤدي فيه الصلاة والتأخير ههنا يكون
مع دخول وقت لا تصح فيه العبادة ، فهو ليس يشبهه في هذا الامر المطلق ،
وذلك أن الامر المطلق عند من يقول : إنه على التراخي ليس يؤدي التراخي فيه
إلى دخول وقت لا يصح فيه وقوع المأمور فيه كما يؤدي التراخي في الحج ، إذا
دخل
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 258