اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 238
من أيام أخر )
وأما المعنى المعقول من إجازة الفطر في السفر ، فهو المشقة ، ولما
كان الصحابة كأنهم مجمعون على الحد في ذلك وجب أن يقاس في ذلك على الحد في
تقصير الصلاة .
وأما المرض الذي يجوز فيه الفطر ، فإنهم اختلفوا فيه أيضا ، فذهب
قوم إلى أنه المرض الذي يلحق من الصوم فيه مشقة وضرورة ، وبه قال مالك وذهب
قوم إلى أنه المرض الغالب وبه قال أحمد .
وقال قوم : إذا انطلق عليه اسم المريض ، أفطر وسبب اختلافهم : هو بعينه سبب اختلافهم في حد السفر .
وأما المسألة الخامسة : وهي متى يفطر المسافر ، ومتى يمسك ، فإن
قوما قالوا : يفطر يومه الذي خرج فيه مسافرا ، وبه قال الشعبي والحسن ،
وأحمد .
وقالت طائفة : لا يفطر يومه ذلك ، وبه قال فقهاء الامصار واستحبت
جماعة العلماء لمن علم أنه يدخل المدينة أول يومه ذلك أن يدخل صائما وبعضهم
في ذلك أكثر تشديدا من بعض ، وكلهم لم يوجبوا علمن دخل مفطرا كفارة .
واختلفوا فيمن دخل : وقد ذهب بعض النهار ، فذهب مالك الشافعي إلى
أنه يتمادى على فطره وقال أبو حنيفة وأصحابه : يكف عن الاكل ، وكذلك الحائض
عنده تطهر ، تكف عن الاكل .
والسبب في اختلافهم في الوقت الذي يفطر فيهالمسافر : هو معارضة الاثر للنظر .
أما الاثر ، فإنه ثبت من حديث ابن عباس أن رسول الله ( ص ) صام حتى
بلغ الكديد ، ثم أفطر ، وأفطر الناس معه وظاهر هذا أنه أفطر بعد أن بيت
الصوم .
وأما الناس ، فلا شك أنهم أفطروا بعد تبييتهم الصوم وفي هذا المعنى
أيضا حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله ( ص ) خرج عام الفتح إلى مكة ،
فسار حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء ، فرفعه حتى نظر
الناس إليه ، ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام فقال :
أولئك العصاة ، أولئك العصاة .
وخرج أبو داود عن أبي نضرة الغفاري أنه لما تجاوز البيوت دعا
بالسفرة ، قال جعفر راوي الحديث ، فقال : ألست تؤم البيوت ؟ فقال : أترغب
عن سنة رسول الله ( ص ) ؟ قال جعفر : فأكل .
وأما النظر ، فلما كان المسافر لا يجوز له إلا أن يبيت الصوم ليلة سفره ، لم يجز له أن يبطل صومه ، وقد بيته لقوله تعالى :
﴿ ولا تبطلوا أعمالكم ﴾
وأما اختلافهم في إمساك الداخل في أثناء النهار عن الاكل ، أو لا
إمساكه : فالسبب فيه اختلافهم في تشبيه من يطرأ عليه في يوم شك أفطر فيه
الثبوت أنه من رمضان ، فمن شبهه به ، قال : يمسك عن الاكل ، ومن لم يشبهه
به ، قال : لا يمسك عن الاكل ، لان الاول ، أكل موضع الجهل ، وهذا أكل لسبب
مبيح ، أو موجب للاكل ، والحنفية تقول : كلاهما سببان موجبان للامساك عن
الاكل بعد إباحة الاكل .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 238