اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 237
أيام أخر ، إذا أفطر ، وكلا الفريقين يرجح تأويله بالآثار
الشاهدة لكلا المفهومين ، وإن كان الاصل ، هو أن يحمل الشئ على الحقيقة حتى
يدل الدليل على حمله على المجاز .
أما الجمهور : فيحتجون لمذهبهم بما ثبت من حديث أنس قال : سافرنا مع
رسول الله ( ص ) في رمضان ، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على
الصائم وبما ثبت عنه أيضا أنه قال : كان أصحاب رسول الله ( ص ) يسافرون ،
فيصوم بعضهم ، ويفطر بعضهم وأهل الظاهر يحتجون لمذهبهم بما ثبت عن ابن عباس
أن رسول الله ( ص ) خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد
، ثم أفطر ، فأفطر الناس ، وكانوا يأخذون بالاحدث ، فالاحدث من أمر رسول
الله ( ص ) قالوا : وهذا يدل على نسخ الصوم ، قال أبو عمر : والحجة على أهل
الظاهر إجماعهم على أن المريض إذا صام ، أجزأه صومه .
وأما المسألة الثانية : وهي هل الصوم أفضل ، أو الفطر ؟ إذا قلنا :
إنه من أهل الفطر على مذهب الجمهور ، فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة مذاهب
: فبعضهم رأى أن الصوم أفضل ، وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة وبعضهم
رأى أن الفطر أفضل ، وممن قال بهذا القول أحمد ، وجماعة ، وبعضهم رأى أن
ذلك على التخيير ، وأنه ليس أحدهما أفضل .
والسبب في اختلافهم : معارضة المفهوم من ذلك لظاهر بعض المنقول ،
ومعارضة المنقول بعضه لبعض ، وذلك أن المعنى المعقول من إجازة الفطر للصائم
إنما هو الرخصة له ، لمكان رفع المشقة عنه ، وما كان رخصة ، فالافضل ترك
الرخصة ويشهد لهذا حديث حمزة عن عمرو الاسلمي خرجه مسلم أنه قال يا رسول
الله أجد في قوة على الصيام في السفر ، فهل علي من جناح ؟ فقال رسول الله (
ص ) : هي رخصة من الله فمن أخذ بها ، فحسن ومن أحب أن يصوم ، فلا جناح
عليه .
وأما ما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام ليس من البر أن تصوم في السفر ومن أن آخر فعله عليه الصلاة والسلام كان الفطر .
فيوهم أن الفطر أفضل ، لكن الفطر ، لما كان ليس حكما ، وإنما هو من فعل المباح ، عسر على الجمهور أنيضعوا المباح أفضل من الحكم .
وأما من خير في ذلك ، فلمكان حديث عائشة قالت : سأل حمزة بن عمرو
الاسلمي رسول الله ( ص ) عن الصيام في السفر فقال إن شئت ، فصم ، وإن شئت ،
فأفطر خرجه مسلم .
وأما المسألة الثالثة : وهي هل الفطر الجائز للمسافر هو في سفر
محدود ، أو في سفر غير محدود ؟ فإن العلماء اختلفوا فيها ، فذهب الجمهور
إلى أنه إنما يفطر في السفر الذي تقصر فيه الصلاة وذلك على حسب اختلافهم في
هذه المسألة ، وذهب قوم إلى أنه يفطر في كل ما ينطلق عليه اسم السفر ، وهم
أهل الظاهر .
والسبب في اختلافهم : معارضة ظاهر اللفظ للمعنى ، وذلك أن ظاهر اللفظ أن كل من ينطلق عليه اسم مسافر ، فله أن يفطر لقوله تعالى :
( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 237