اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 231
والامساك عن الاكل بقول واحد ، فوجب أن يكون الامر كذلك في دخول
الشهر ، وخروجه ، إذ كلاهما علامة تفصل زمان الفطر من زمان الصوم ، وإذا
قلنا إن الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره ، فهل يتعدى ذلك من بلد إلى
بلد ؟ أعني هل يجب على أهل بلد ما إذا لم يروه أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد
آخر ، أم لكل بلد رؤية ؟ فيه خلاف ، فأما مالك ، فإن ابن القاسم ،
والمصريين رووا عنه أنه إذا ثبت عند أهل بلد أن أهل بلد آخر رأوا الهلال أن
عليهم قضاء ذلك اليوم الذي أفطروه ، وصامه غيرهم ، وبه قال الشافعي ،
وأحمد .
وروى المدنيون عن مالك أن الرؤية لا تلزم بالخبر عند غير أهل البلد
الذي وقعت فيه الرؤية ، إلا أن يكون الامام يحمل الناس على ذلك ، وبه قال
ابن الماجشون ، والمغيرة من أصحاب مالك .
وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالاندلس ، والحجاز .
والسبب في هذا الخلاف : تعارض الاثر ، والنظر ، أما النظر ، فهو أن
البلاد إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف ، فيجب أن يحمل بعضها على بعض
لانها في قياس الافق الواحد .
وأما إذا اختلفت اختلافا كثيرا فليس يجب أن يحمل بعضها على بعض .
وأما الاثر : فما رواه مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته
إلى معاوية بالشام فقال قدمت الشام ، فقضيت حاجتها ، واستهل علي رمضان ،
وأنا بالشام ، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ،
فسألني عبد الله بن عباس ، ثم ذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت
رأيته ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ، ورآه الناس ، وصاموا
، وصام معاوية ، قال : لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل
ثلاثين يوما ، أو نراه ، فقلت : ألا تكتفي برؤية معاوية ؟ فقال : لا .
هكذا أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام .
فظاهر هذا الاثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته قرب أو بعد ، والنظر يعطي
الفرق بين البلاد النائية ، والقريبة ، وبخاصة ما كان نأيه في الطول ،
والعرض كثيرا ، وإذا بلغ الخبر مبلغ التواتر ، لم يحتج فيه إلى شهادة .
فهذه هي المسائل التي تتعلق بزمان الوجوب .
وأما التي تتعلق بزمان الامساك : فإنهم اتفقوا على أن آخره غيبوبة الشمس لقوله تعالى :
﴿ ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾
واختلفوا في أوله فقال الجمهور : هو طلوع الفجر الثاني المستطير
الابيض لثبوت ذلك عن رسول الله ( ص ) ، أعني حده بالمستطير ، ولظاهر قوله
تعالى :
﴿ حتى يتبين لكم الخيط الابيض ﴾
الآيةوشذت فرقة ، فقالوا : هو الفجر الاحمر الذي يكون بعد الابيض وهو نظير الشفق الاحمر وهو مروي عن حذيفة ، وابن مسعود .
وسبب هذا الخلاف : هو اختلاف الآثار في ذلك ، واشتراك اسم الفجر ، أعني أنه يقال : على الابيض ، والاحمر .
وأما الآثا التي احتجوا بها ، فمنها : حديث زر عن حذيقة قال تسحرت مع النبي ( ص ) ، ولو أشاء أن أقول : هو النهار إل
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 231