اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 213
أما المسألة الاولى : فإنهم أجمعوا على أن الصنف الواحد من
الحبوب والثمر يجمع جيده إلى رديئه ، وتؤخذ الزكاة عن جميعه بحسب قدر كل
واحد منهما : أعني من الجيد والردئ ، فإن كان الثمر أصنافا أخذ من وسطه .
واختلفوا في ضم القطاني بعضها إلى بعض ، وفي ضم الحنطة ، والشعير
والسلت فقال مالك : القطنية كلها صنف واحد : الحنطة ، والشعير والسلت أيضا .
وقال الشافعي وأبو حنيفة ، وأحمد وجماعة : القطاني كلها أصناف كثيرة بحسب أسمائها ، ولا يضم منها شئ إلى غيره في حساب النصاب .
وكذلك الشعير ، والسلت ، والحنطة عندهم أصناف ثلاثة ، لا يضم واحد منها إلى الآخر لتكميل النصاب .
وسبب الخلاف : هل المراعاة في الصنف الواحد ، هو اتفاق المنافع أو
اتفاق الاسماء ؟ فمن قال اتفاق الاسماء ، قال : كلما اختلفت ت أسماؤها :
فهي أصناف كثيرة ، ومن قال اتفاق المنافع ، قال : كلما اتفقت منافعها ، فهي
صنف واحد ، وإن اختلفت أسماؤها .
فكل واحدمنهما يروم أن يقرر قاعدته باستقراء الشرع ، أعني أن أحدهما
يحتج لمذهبه بالاشياء التي اعتبر فيها الشرع الاسماء ، والآخر بالاشياء
التي اعتبر الشرع فيها المنافع ، ويشبه أن يكون شهادة الشرع للاسماء في
الزكاة أكثر من شهادته للمنافع ، وإن كان كلا الاعتبارين موجودا في الشرع .
والله أعلم .
وأما المسألة الثانية : وهي تقدير النصاب بالخرص ، واعتباره به دون
الكيل فإن جمهور العلماء على إجازة الخرص في النخيل والاعناب حين يبدو
صلاحها للضرورة أن يخلي بينها ، وبين أهلها يأكلونها رطبا وقال داود : لا
خرص إلا في النخيل فقط .
وقال أبو حنيفة ، وصاحباه : الخرص باطل ، وعلى رب المال أن يؤدي عشر ما تحصل بيده ، زاد على الخرص ، أو نقص منه .
والسبب في اختلافهم في جواز الخرص : معارضة الاصول للاثر الوارد في
ذلك : أما الاثر الوارد في ذلك ، وهو الذي تمسك به الجمهور ، فهو ما روي أن
رسول الله ( ص كان يرسل عبد الله بن رواحة ، وغيره إلى خيبر ، فيخرص عليهم
النخل .
وأما الاصوالتي تعارضه ، فلانه من باب المزابنة المنهي عنها ، وهو
بيع الثمر في رؤوس النخل بالثمر كيلا ، ولانه أيضا من باب بيع الرطب بالتمر
نسيئة ، فيدخله المنع من التفاضل ، ومن النسيئة ، وكلاهما من أصول الربا ،
فلما رأى الكوفيون هذا مع أن الخرص الذي كان يخرص على أهل خيبر ، لم يكن
للزكاة ، إذ كانوا ليسوا بأهل زكا ، قالوا : يحتمل أن يكون تخمينا ، ليعلم
ما بأيدي كل قوم من الثمار .
قال القاضي : أما بحسب خبر مالك ، فالظاهر أنه كان في القسمة ، لما
روي أن عبد الله برواحة ، كان إذ فرغ من الخرص ، قال : إن شئتم ، فلكم ،
وإن شئتم ، فلي ، أعني في قسمة الثمار ، لا في قسمة الحب .
وأما بحسب حديث عائشة الذي رواه أبو داود ، فإنما الخرص لموضع
النصيب الواجب عليهم في ذلك ، والحديث هو أنها قالت ، وهي تذكر شأن خيبر
كان النبي ( ص ) يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر ،
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 213