اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 135
الصحيح .
التخفيف والرخصة ، ورفع الحرج ، لا أن القصر هو الواجب ، ولا أنه سنة .
وأما الاثر الذي يعارض بصيغته المعنى المعقول ومفهوم هذه الاثار ،
فحديث عائشة الثابت باتفاق قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فأقرت صلاة
السفر ، وزيد في صلاة الحضر .
وأما دليل الفعل الذي يعارض المعنى المعقول ، ومفهوم الاثر المنقول
فإنه ما نقل عنه عليه الصلاة والسلام من قصر الصلاة في كل أسفاره ، وأنه لم
يصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه أتم الصلاة قط .
فمن ذهب إلى أنه سنة ، أو واجب مخير ، فإنما حمله على ذلك أنه لم
يصح عنده أن النبي عليه الصلاة والسلام ، أتم الصلاة ، وما هذا شأنه فقد
يجب أن يكون أحد الوجهين : أعني إما واجبا مخيرا ، وإما أن يكون سنة ، وإما
أن يكون فرضا معينا ، لكن كونه فرضا معينا يعارضه المعنى المعقول ، وكونه
رخصة يعارضه اللفظ المنقول ، فوجب أن يكون واجبا مخيرا ، أو سنة وكان هذا
نوعا من طريق الجمع ، وقد اعتلوا لحديث عائشة بالمشهور عنها من أنها كانت
تتم ، وروى عطاء عنها : أن النبي ( ص ) كان يتم الصلاة في السفر ، ويقصر ،
ويصوم ويفطر ، ويؤخر الظهر ، ويعجل العصر ، ويؤخر المغرب ، ويعجل العشاء .
ومما يعارضه أيضا حديث أنس ، وأبي نجيح المكي قال : اصطحبت أصحاب
محمد ( ص ) ، فكان بعضهم يتم ، وبعضهم يقصر ، وبعضهم يصوم ، وبعضهم يفطر ،
فلا يعيب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء على هؤلاء .
ولم يختلف في إتمام الصلاة عن عثمان وعائشة ، فهذا هو اختلافهم في الموضع الاول .
أما اختلافهم في الموضع الثاني : وهي المسافة التي يجوز فيها القصر ،
فإن العلماء اختلفوا في ذلك أيضا اختلافا كثيرا فذهب مالك والشافعي وأحمد
وجماعة كثيرة إلى أن الصلاة تقصر في أربعة برد وذلك مسيرة يوم بالسير الوسط
، وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والكوفيون : أقل ما تقصر فيه الصلاة ثلاثة
أيام ، وإن القصر إنما هو لمن سار من أفق إلى أفق ، وقال أهل الظاهر :
القصر في كل سفر قريبا أو بعيدا .
والسبب في اختلافهم : معارضة المعنى المعقول من ذلك اللفظ .
وذلك أن المعقول من تأثير السفر في القصر أنه لمكان المشقة الموجودة
فيه مثل تأثيره في الصوم ، وإذا كان الامر على ذلك ، فيجب القصر حيث
المشقة .
وأما من لا يراعي في ذلك إلا اللفظ فقط فقال قد قال النبي عليه
الصلاة والسلام : إن الله وضععن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة فكل من انطلق
عليه اسم مسافر جاز له القصر ، والفطر ، وأيدوا ذلك بمارواه مسلم عن عمر بن
الخطاب : أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقصر في نحو السبعة عشر ميلا
وذهب قوم إلى خامس كما قلنا ، وهو أن القصر لا يجوز إلا للخائف ، لقوله
تعالى :
﴿ إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ﴾
وقد قيل إنه مذهب
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 135