اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 131
لحديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والامام يخط ب فقد لغوت .
وأما من لم يوجبه ، فلا أعلم لهم شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الامة قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى :
﴿ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾
أي أن ما عدا القرآن ، فليس يجب له الانصات ، وهذا فيه ضعف والله أعلم .
والاشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم .
وأما اختلافهم في رد السلام وتشميت العاطس : فالسبب فيه تعارض عموم
الامر بذلك لعموم الامر بالانصات ، واحتمال أن يكون كل واحد منهما مستثنى
من صاحبه ، فمن استثنى من عموم الامربالصمت يوم الجمعة الامر بالسلام
وتشميت العاطس أجازهما ، ومن استثنى من عموم الامر برد السلام والتشميت
الامر بالصمت في حين الخطبة لم يجز ذلك ، ومن فرق ، فإنه استثنى رد السلام
من النهي عن التكلم في الخطبة ، واستثنى من عموم الامر التشميت وقت الخطبة ،
وإنما ذهب واحد واحد من هؤلاء إلى واحد واحد من هذه المستثنيات لما غلب
على ظنه من قوة العموم في أحدها ، وضعفه في الاخر ، وذلك أن الامر بالصمت
هو عام في الكلام خاص في الوقت ، والامر برد السلام ، والتشميت هو عام في
الوقت خاص في الكلام ، فمن استثنى الزمن الخاص من الكلام العام لم يجز رد
السلام ، ولا التشميت في وقت الخطبة ، ومن استثنى الكلام الخاص من النهي عن
الكلام العام ، أجاز ذلك .
والصواب ألا يصار لاستثناء أحد العمومين بأحد الخصوصين إلا بدليل ،
فإن عسر ذلك فبالنظر في ترجيح العمومات والخصوصات ، وترجيح تأكيد الاوامر
بها ، والقول از أنه إن كانت الاوامر قوتها واحدة ، والعمومات والخصوصات
قوتها واحدة ولم يكن هناك دليل على أي يستثنى من أي وقع التمانع ضرورة ،
وهذا يقل وجوده ، وإن لم يكن فوجه الترجيح في العمومات والخصوصات الواقعة
في أمثال هذه المواضع هو النظر إلى جميع أقسام النسب الواقعة بين الخصوصين
والعمومين ، وهي أربع : عمومان في مرتبة واحدة من القوة ، وخصوصان في مرتبة
واحدة من القوة ، فهذا لا يصار لاستثناء أحدهما إلا بدليل .
الثاني : مقابل هذا ، وهو خصوص في نهاية القوة ، وعموم في نهاية
الضعف فهذا يجب أن يصار إليه ، ولا بد ، أعني أن يستثنى من العموم الخصوص .
الثالث : خصوصان في مرتبة واحدة ، وأحد العمومين أضعف من الثاني ، فهذا ينبغي أن يخصص فيه العموم الضعيف .
الرابع : عمومان في مرتبة واحدة ، وأحد الخصوصين أقوى من الثاني ،
فهذا يجب أن يكون الحكم فيه للخصوص القوي ، وهذا كله إذا تساوت الاوامر
فيها في مفهوم التأكيد ، فإن اختلفت ، حدثت من ذلك تراكيب مختلفة
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 131