اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 130
احتج قوم لوجوبها بقوله تعالى :
﴿ فاسعوا إلى ذكر الله ﴾
وقالوا : هو الخطبة .
المسألة الثانية : واختلف الذين قالوا بوجوبها في القدر المجزئ منها
، فقال ابن القاسم : هو أقل ما ينطلق عليه اسم خطبة في كلام العرب من
الكلام المؤلف المبدوء بحمد الله .
وقال الشافعي : أقل ما يجزئ من ذلك خطبتان اثنتان يكون في كل واحدة
منهما قائما يفصل إحداهما من الاخر بجلسة خفيفة يحمد الله في كل واحدة
منهما في أولها ، ويصلي على النبي ( ص ) ويوصي بتقوى الله ويقرأ شيئا من
القرآن في الاولى ، ويدعو في الاخرة .
والسبب في اختلافهم : هو هل يجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم
اللغوي ، أو الاسم الشرعي فمن رأى أن المجزئ أقل ما ينطلق عليه الاسم
اللغوي لم يشترط فيها شيئا من الاقوال التي نقلت عنه ( ص ) فيها .
ومن رأى أن المجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم الشرعي اشترط
فيها أصول الاقوال التي نقلت من خطبه ( ص ) : أعني الاقوال الراتبة غير
المتبدلة .
والسبب في هذا الاختلاف : أن الخطبة التي نقلت عنه فيها أقوال راتبة
وغير راتبة ، فمن اعتبر الاقوال الغير راتبة ، وغلب حكمها ، قال : يكفي من
ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي ، أعني اسم خطبة عند العرب .
ومن اعتبر الاقوال الراتبة ، وغلب حكمها قال : لا يجزئ من ذلك إلا أقل ما ينطلق عليه اسم الخطبة في عرفالشرع واستعماله .
وليس من شرط الخطبة عند مالك الجلوس ، وهو شرط كما قلنا عند الشافعي
، وذلك أنه من اعتبر المعنى المعقول منه من كونه استراحة للخطيب ، لم
يجعله شرطا ، ومن جعل ذلك عبادة ، جعله شرطا .
المسألة الثالثة : اختلفوا في الانصات يوم الجمعة والامام يخطب على
ثلاثة أقوال : منهم من رأى أن الانصات واجب على كل حال ، وأنه حكم لازم من
أحكام الخطبة ، وهم الجمهور ومالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل
، وجميع فقهاء الامصار .
وهؤلاء انقسموا ثلاثة أقسام : فبعضهم أجاز التشميت ، ورد السلام في
وقت الخطبة ، وبه قال الثوري ، والاوزاعي ، وغيرهم ، وبعضهم لم يجز رد
السلام ، ولا التشميت ، وبعضهم فرق بين السلام ، والتشميت ، فقالوا : يرد
السلام ولا يشمت ، والقول الثاني : مقابل القول الاول ، وهو أن الكلام في
حال الخطبة جائز إلا في حين قراءة القرآن فيها ، وهو مروي عن الشعبي ،
وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي .
والقول الثالث : الفرق بين أن يسمع الخطبة ، أو لا يسمعها ، فإن
سمعها أنصت ، وإن لم يسمع جاز له أن يسبح ، أو يتكلم في مسألة من العلم ،
وبه قال أحمد وعطاء ، وجماعة ، والجمهور على أنه إن تكلم لم تفسد صلاته ،
وروي عن ابن وهب أنه قال : من لغا ، فصلاته ظهر أربع .
وإنما صار الجمهور لوجوب الانصات
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 130