اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 123
الامام يقول ربنا ولك الحمد ، فلا يجب أن يترك النص بدليل الخطاب
، فإن النص أقوى من دليل الخطاب ، وحديث أنس يقتضي بعمومه أن المأموم يقول
: سمع الله لمن حمده بعموم قوله : إنما جعل الامام ليؤتم به وبدليل خطابه
ألا يقولها ، فوج أن يرجح بين العموم ، ودليل الخطاب ، ولا خلاف أن العموم
أقوى من دليل الخطاب ، لكن العموم يختلف أيضا في القوة ، والضعف ، ولذلك
ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوم من بعض أدلة العموم ، فالمسألة
لعمري اجتهادية : أعني في المأموم .
وأما المسألة الثانية : وهي صلاة القائم خلف القاعد ، فإن حاصل
القول فيها أن العلماء اتفقوا على أنه ليس للصحيح أن يصلي فرضا قاعدا إذا
كان منفردا ، أو إماما لقوله تعالى :
﴿ وقوموا لله قانتين ﴾
واختلفوا إذا كان المأموم صحيحا فصلى خلف إمام مريض يصلي قاعدا على
ثلاثة أقوال : أحدها : أن المأموم يصلي خلفه قاعدا ، وممن قال بهذا القول
أحمد ، وإسحاق .
والقول الثاني : أنهم يصلون خلفه قياما .
قال أبو عمر بن عبد البر : وعلى هذا جماعة فقهاء الامصار : الشافعي ،
وأصحابه ، وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر ، وأبو ثور ، وغيرهم ، وزاد
هؤلاء ، فقالوا : يصلون وراءه قياما ، وإن كان لا يقوى على الركوع ،
والسجود ، بل يومئ إيماء .
وروى ابن القاسم أنه لا تجوز إمامة القاعد ، وأنه إن صلوا خلفه قياما أو قعودا بطلت صلاتهم .
وقد روي عن مالك أنهم يعيدون الصلاة في الوقت ، وهذا إنما بني على الكراهة ، لا على المنع ، والاول هو المشهور عنه .
وسبب الاختلاف : تعارض الاثار في ذلك ، ومعارضة العمل للاثار : أعني
عمل أهل المدينة عند مالك ، وذلك أن في ذلك حديثين متعارضين : أحدهما :
حديث أنس ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا
وحديث عائشة في في معناه ، وهو أنه ( ص ) وهو شاك جالسا وصل وراءه قوم
قياما ، فأشار إليهم أن اجلسوا ، فلما انصرف قال : إنما جعل الامام ليؤتم
به ، فإذا ركع ، فاركعوا ، وإذا رفع فارفعو ، وإذا صلى جالسا ، فصلواجلوسا .
والحديث الثاني : حديث عائشة : أن رسول الله ( ص ) خرج في مرضه الذي
توفي منه ، فأتى المسجد ، فوجد أبا بكر ، وهو قائم يصلي بالناس ، فاستأخر
أبو بكر ، فأشار إليه رسول الله ( ص ) أن كما أنت فجلس رسول الله ( ص ) إلى
جنب أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله ( ص ) وكان الناس يصلون
بصلاة أبي بكر .
فذهب الناس في هذين الحديثين مذهبين : مذهب النسخ ، ومذهب الترجيح .
فأما من ذهب مذهب النسخ ، فإنهم قالوا : إن ظاهر حديث عائشة ، وهو :
أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤم الناس ، وأن أبا بكر كان مسمعا لانه
لا يجوز أن يكون إمامان في صلاة واحدة ، وإن الناس كانوا
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 123