اسم الکتاب : قوت القلوب المؤلف : ابوطالب مکی الجزء : 1 صفحة : 3
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، المشهور بأبي
طالب المكي. نشأ بمكة و تزهّد، و لقي جماعة من المشايخ في الحديث و علم
الطريقة، و أخذ عنهم. انتقل إلى البصرة، ثم إلى بغداد. ويل: إنه لما دخل
بغداد و اجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ خلط في كلامه، و حفظ عنه أنه قال:
«ليس على المخلوقين أضرّ من الخالق»، فهجره الناس لذلك، فامتنع عن الكلام، و
عن إقامة مجلسه بعد ذلك. و توفي سادس جمادى الآخرة بغداد سنة 386 ه، و دفن
بمبرة الملكية، بالجانب الشرقي.
كان أبو طالب المكي يستعمل الرياضة و المجاهدة كثيرا. حتى قيل إنه هجر
الطعام زمانا، و اقتصر على أكل الحشائش المباحة، فاخر جلده من كثرة
تناولها.
و أبو طالب المكي- رحمه الله تعالى- كان عليما بالتصوف كمذهب يستمد خصائصه
الأولى من الشريعة المطهرة أصولها و فروعها. كتب ليبيّن للناس أن علم
التصوف هو خلاصة علم الشريعة، و أن عمل المتصوفة هو ثمرة العمل بالشريعة، و
أن هذا العمل إذا قام على الإخلاص و المراقبة فتح أبوابا من المعرفة و
العلم، لا تفتح بغير المجاهدة، و الصبر على مشقة التعبد، و محاسبة النفس
على خطراتها، و أن هذه الأبواب من العلم و المعرفة لا يقوم عليها إلّا من
نوّر الله قلبه، و أراه بعين بصيرته من المعارف و العلوم ما لا يراه
الواقفون مع عقولهم عند ظواهر النصوص، و هذا ما يسميه علم الباطن، و لكنه
يربطه بعلم الشريعة برباط لا ينقصهم.
و كتابه «قوت القلوب» الذي بين أيدينا، من الكتب الجليلة و العظيمة في علم
التصوف. و يعد مصدرا رئيسيا اعتمده الغزالي في تأليف كتابه «إحياء علوم
الدين» كما ذكر بروكلمان (4- 79). بل إن الغزالي نفسه يقول: في كتابه
«المنقذ من الضلال» «فابتدأت بتحصيل علمهم- علم الصوفية- من كتبهم، مثل
«قوت القلوب» لأبي طالب المكي رحمه الله، و المتفرقات المأثورة عند الجنيد و
الشبلي و أبي يزيد البسطامي، و غير ذلك من كلام مشايخهم، و حتى اطلعت على
كتب مقاصدهم العلمية، و حصّلت ما يمكن أن يحصّل من طريقتهم بالتعلم و
السماع».
اسم الکتاب : قوت القلوب المؤلف : ابوطالب مکی الجزء : 1 صفحة : 3