يخرج
من الأصل، كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأنّه دين أو بمنزلة الدين.
قلت:
التحقيق أنّ جميع الواجبات الإلهيّة ديون للَّه تعالى، سواء كانت مالًا أو عملًا
ماليّاً أو عملًا غير ماليّ، فالصلاة و الصوم أيضاً ديون للَّه و لهما جهة وضع،
فذمّة المكلّف مشغولة بهما و لذا يجب قضاؤهما، فإنّ القاضي يفرغ ذمّة نفسه أو ذمّة
الميّت، و ليس القضاء من باب التوبة أو من باب الكفّارة، بل هو إتيان لما كانت
الذمّة مشغولة به، و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل مثل قوله:
«للَّه عليّ أن أعطي زيداً درهماً»، دين إلهي لا خلقي، فلا يكون الناذر مديوناً
لزيد، بل هو مديون للَّه بدفع الدرهم لزيد، و لا فرق بينه و بين أن يقول: «للَّه
عليّ أن أحجّ أو أن أُصلّي ركعتين» فالكلّ دين اللَّه، و دين اللَّه أحقّ أن يقضى
كما في بعض الأخبار، و لازم هذا كون الجميع من الأصل.
نعم،
إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمّة به بعد فوته لا يجب قضاؤه، لا
بالنسبة إلى نفس من وجب عليه و لا بعد موته، سواء كان مالًا أو عملًا، مثل وجوب
إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة، فإنّه لو لم يعطه حتّى مات لا يجب
عليه و لا على وارثه القضاء؛ لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة، و هذا لا
يقبل البقاء بعد فوته، و كما في نفقة الأرحام، فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع
تمكّنه لا يصير ديناً عليه؛ لأنّ الواجب سدّ الخلّة، و إذا فات لا يتدارك. فتحصّل
أنّ مقتضى القاعدة في الحجّ النذري إذا تمكّنه و ترك حتّى مات وجوب قضائه من
الأصل؛ لأنّه دين إلهي، إلّا أن يقال بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات، و هو
محلّ منع، بل دين اللَّه أحقّ أن يقضى.
و
أمّا الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث، فاستدلّوا بصحيحة ضريس و صحيحة ابن
أبي يعفور الدالّتين على أنّ من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه، و إذا كان
نذر الإحجاج كذلك مع كونه ماليّاً قطعاً فنذر الحجّ بنفسه أولى بعدم