و
كما احتضنت ولادته احتضنت نشأته، حيث قضى فيها قرابة خمس و خمسين سنة من عمره
الشريف (1392- 1310، 1328- 1364 ه. ق) متعلّما و معلّما و هذا ديدنه في كلّ
الحوزات الأخرى. فكان نزوعه إلى العلم جبلة و طبيعة، حتى غدت عنده كلّ العلوم-
التي تلقّاها في حياته الطويلة التي نافت على ثمان و ثمانين سنة- ملكات، و كان لا
يتعب من طلبها، و لا يملّ من قضاء كلّ وقته في تحصيلها.
و
يبدو أنّ والده السيد علي أدرك فيه كلّ هذا، فراح هذا العالم الجليل يبذل جهده
المبارك في تربية ولده و إعداده دينيّا و علميا، فقد تلقّى تعليمه الأول قراءة و
كتابة عنده قبل السابعة من عمره، ثمَّ هيّأه و أعدّه لدراسة آداب اللغة العربية،
فقد اختار له من كتب الأدب العربي: جامع المقدّمات و السيوطي و غيرهما في
«المكتب»، كما درس «گلستان سعدي» في الأدب الفارسي، و كان ذلك سنة تسع و تسعين و
مائتين و ألف قمرية [2].
لم
ينته دور الأب السيد علي الطباطبائي مع ابنه عند هذا الحدّ، بل راح يلاحقه في
تعليمه و يواكبه في دراسته، و يهيئ له أجواء علمية بعيدة عن مشاغل الحياة اللاهية
و المرهقة. ليوفّر له الوقت الكافي للدراسة و التحصيل، و ليشبع رغباته العلمية و
ما تحتاجه مواهبه و قدراته، خاصة بعد أن لمسها فيه، و عرف أنّ ابنه يتمتّع بقوّة
الذاكرة، و أنّه ذو قابلية نادرة و قدرة عجيبة على الاستيعاب، فنقله إلى مدرسة
«نور بخش» الدينية، التي كانت يومذاك تتّصف بدراستها الجيّدة، لما فيها من أساتذة
أكفّاء و مصادر بحث قيّمة، مكّنته أن يقضي وقته درسا و بحثا و مطالعة