بِرِفْقَةٍ دَخَلَت مِن بَلَدٍ مِنَ البُلدَانِ لِحَجٍّ أَو عُمرَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، فَيَقُولُ بَعضُهُم لِبَعضٍ: إِنَّا لَنَرَى فِي يَومِنَا هَذَا قَوماً لَم نَكُن رَأَيْنَاهُم قَبلَ يَومِنَا هَذَا، وَ لَيْسَ مِن بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَ لَا أَهْلُ بَدوٍ، وَ لَا مَعَهُمْ إِبِلٌ وَ لَا دَوَابٌ! فَبَيْنَمَا هُم كَذَلِكَ وَ قَدِ ارتَابُوا بِهِم إِذ يُقبِلُ رَجُلٌ مِن بَنِي مَخزُومٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى يَأتيَ رَئِيسَهُم فَيَقُولُ: لَقَد رَأَيتُ لِيْلَتِي هَذِهِ رُؤيا عَجِيبَةً، وَ إِنِّي مِنهَا خَائِفٌ وَ قَلبِي مِنهَا وَجَلٌ، فَيَقُولُ لَهُ: اقصُص رُؤيَاكَ، فَيَقُولُ: رَأَيْتُ كَبَّةَ نَارٍ انقَضَت مِن عَنَانِ السَّمَاءِ، فَلَم تَزَل تَهوِي حَتَّى انحَطَّت عَلَى الكَعبَةِ، فَدَارَت فِيهَا، فَإِذَا هِيَ جَرَادٌ ذَوَاتُ أَجنِحَةِ خُضْرٍ كَالمَلَاحِفِ، فَأَطَافَت بِالكَعبَةِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ تَطَايَرَت شَرْقاً وَ غَرْباً، لَا تَمُرُّ بِبَلَدٍ إَلَّا أَحْرَقَتْهُ، وَ لَا بِحِصْنٍ إِلَّا حَطَّمَتْهُ، فَاستَيقَظتُ وَ أَنَا مَذْعُورُ القَلبِ وَجَلٌ، فَيَقُولُونَ: لَقَد رَأَيتَ هَؤُلَاءَ فَانطَلِقْ بِنَا إِلَى الأُقَيرِعِ لِيُعَبِّرَهَا، وَ هُوَ رَجُلٌ مِن ثَقِيفٍ، فَقَصَّ عَلَيهِ الرُّؤيَا، فَيَقُولُ الأُقَيرِعُ: لَقَد رَأَيْتَ عَجَباً، وَ لَقَد طَرَقَكُم فِي لَيلَتِكُم جُنْدٌ مِن جُنُودِ اللهِ لَا قُوَّةَ لَكُمْ بِهِمْ، فَيَقُولُونَ: لَقَد رَأَينَا فِي يَومِنَا هَذَا عَجَباً، وَ يُحَدِّثُونَهُ بِأَمرِ القَوْمِ، ثُمَّ يَنْهَضُونَ مِن عِندِهِ وَ يَهُمُّونِ بِالوُثُوبِ عَلَيْهِمْ، وَ قَد مَلَأَ اللهُ قُلُوبَهُم مِنْهُم رُعْباً وَ خَوْفاً، فَيَقُولُ بَعضُهُم لِبَعضٍ وَ هُم يَتَآمَرُونَ بِذَلِكَ: يَا قَوْمُ! لَا تَعجِلُوا عَلَى القَومِ، إنَّهُم لَم يَأتُوكُم بَعْدُ بِمُنكَرٍ، وَ لَا أَظهَرُوا خِلَافاً، وَ لَعَلَّ الرَّجُلُ مِنهُم يَكُونُ فِي القَبِيلَةِ مِن قَبَائِلِكُم، فَإِن بَدَا لَكُم مِنهُم شَرٌّ فَأَنْتُم حِينَئِذٍ وَ هُم، وَ أَمَّا القَوْمُ فَإِنَّا نَرَاهُم مُتِنَسِّكِينَ وَ سِيمَاهُم حَسَنَةٌ، وَ هُم فِي حَرَمِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُبَاحُ مَن دَخَلَهُ حَتَّى يُحْدِثَ بِهِ حَدَثاً، وَلَم يُحْدِثُ القَوْمُ حَدَثاً يُوجِبُ مُحَارِبَتَهُمْ، فَيَقُولُ المَخزُومِيُّ وَ هُوَ رَئِيسُ القَوْمِ وَ عَمِيدُهُم: إِنَّا لَا نَأْمَنُ أَن يَكُونَ وَرَاءَهُم مَادَّةٌ لَهُم، فَإِذَا التَأَمَتْ إِلَيهِم كَشَفَ أَمرُهُم وَ عَظُمَ شَأْنُهُم، فَتَهْضِمُوهُم وَ هُمْ فِي قِلَّةٍ مِنَ العَدَدِ وَ غُرْبَةٍ فِي البَلَدِ قَبلَ أَن تَأتِيهِم المَادَّةَ، فَإِنَ