اسم الکتاب : إحياء علوم الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 3 صفحة : 38
الفصل الثاني في أسرار الصوم و شروطه الباطنة
اعلم أن الصوم ثلاث درجات:صوم العموم،و صوم الخصوص،و صوم خصوص الخصوص
أما صوم العموم :
فهو كف البطن و الفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله
و أما صوم الخصوص:
فهو كف السمع و البصر و اللسان و اليد و الرجل و سائر الجوارح عن الآثام
و أما صوم خصوص الخصوص:
فصوم القلب عن الهمم الدنية و الأفكار الدنيوية، و كفه عما سوى اللّٰه عز و جل بالكلية.و يحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى اللّٰه عز و جل و اليوم الآخر ،و بالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين،فان ذلك من زاد الآخرة و ليس من الدنيا،حتى قال أرباب القلوب:من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة،فان ذلك من قلة الوثوق بفضل اللّٰه عز و جل،و قلة اليقين برزقه الموعود.و هذه رتبة الأنبياء و الصديقين و المقربين.و لا يطول النظر في تفصيلها قولا و لكن في تحقيقها عملا،فإنه إقبال بكنه الهمة على اللّٰه عز و جل،و انصراف عن غير اللّٰه سبحانه،و تلبس بمعنى قوله عز و جل: (قُلِ اللّٰهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [1]) و أما صوم الخصوص و هو صوم الصالحين:فهو كف الجوارح عن الآثام.
و تمامه بستة أمور
الأول:غض البصر
و كفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم و يكره،و إلى كل ما يشغل القلب و يلهى عن ذكر اللّٰه عز و جل،قال صلّى اللّٰه عليه و سلم[1]«النّظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه اللّٰه فمن تركها خوفا من اللّٰه آتاه اللّٰه عزّ و جلّ إيمانا يجد حلاوته في قلبه »و روى جابر عن أنس عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و سلم[2]أنه قال «خمس يفطرن الصّائم:الكذب و الغيبة و النّميمة و اليمين الكاذبة و النّظر بشهوة »