responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 95

يتلوه به فذلك القرآن و منا من يتلوه بنفسه فذلك الفرقان و لا يصح أن يتلى بهما في عين واحدة و لا حال واحدة فإذا كنت عنده كنت عندك و إذا كنت عندك لم تكن عنده لأن كل شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدٰارٍ و هو ليس كذلك بل هو مع كل شيء و عند من يذكره بالذكر لا غير فإنه جليس الذاكرين

«فصل»

اعلم أن اللّٰه أنزل هذا القرآن حروفا منظومة من اثنين إلى خمسة أحرف متصلة و مفردة و جعله كلمات و آيات و سورا و نورا و هدى و ضياء و شفاء و رحمة و ذكرا و عربيا و مبينا و حقا و كتابا و محكما و متشابها و مفصلا و لكل اسم و نعت من هذه الأسماء معنى ليس للآخر و كله كلام اللّٰه و لما كان جامعا لهذه الحقائق و أمثالها استحق اسم القرآن فلنذكر مراتب بعض نعوته ليعلم أهل اللّٰه منزلته

«وصل»

فمن ذلك كونه حروفا و المفهوم من هذا الاسم أمران الأمر الواحد المسمى قولا و كلاما و لفظا و الأمر الآخر يسمى كتابة و رقما و خطا و القرآن يخط فله حروف الرقم و ينطق به فله حروف اللفظ فلما ذا يرجع كونه حروفا منطوقا بها هل لكلام اللّٰه الذي هو صفته أو هل للمترجم عنه فاعلم إن اللّٰه قد أخبرنا نبيه ص أنه سبحانه يتجلى في القيامة في صور مختلفة فيعرف و ينكر و من كانت حقيقته تقبل التجلي في الصور فلا يبعد أن يكون الكلام بالحروف المتلفظ بها المسماة كلام اللّٰه لبعض تلك الصور كما يليق بجلاله فكما نقول تجلى في صورة كما يليق بجلاله كذلك نقول تكلم بصوت و حرف كما يليق بجلاله و نحملها محمل الفرح و الضحك و العين و القدم و اليد و اليمين و غير ذلك مما ورد في الكتاب و السنة مما يجب الايمان به على المعنى المعقول من غير كيفية و لا تشبيه فإنه يقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنفى إن يماثل مع عقل المعنى و جهل النسبة فإذا انتظمت الحروف سميت كلمة و إذا انتظمت الكلمات سميت آية و إذا انتظمت الآيات سميت سورة فلما وصف نفسه بأن له نفسا كما يليق بجلاله و وصف نفسه بالصوت و القول و قال فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ كان النفس المسمى صوتا و كان انقطاعه من الصوت حيث انقطع يسمى حرفا و كل ذلك معقول مما وقع الإخبار الإلهي به لنا مع نفي المماثلة و التشبيه كسائر الصفات و لما وصف نفسه بالصورة عرفنا معنى قوله إنه اَلظّٰاهِرُ وَ الْبٰاطِنُ فالباطن للظاهر غيب و الظاهر للباطن شهادة و وصف نفسه بأن له نفسا فهو خروجه من الغيب و ظهور الحروف شهادة و الحروف ظروف للمعاني التي هي أرواحها و التي وضعت للدلالة عليها بحكم التواطؤ و قال تعالى وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ و أبلغ من هذا الإفصاح من اللّٰه لعباده ما يكون فلا بد أن يفهم من هذه العبارات ما تدل عليه في ذلك اللسان بما وقع الإخبار به عن الكون فيعرف المعنى الذي يدل عليه ذلك الكلام و تعرف النسبة و ما وقع الإخبار به عن اللّٰه يعرف المعنى الذي يدل عليه ذلك الكلام و تجهل النسبة لما أعطى الدليل العقلي و الدليل الشرعي من نفي المماثلة فإذا تحققت ما قررناه تبينت أن كلام اللّٰه هو هذا المتلو المسموع المتلفظ به المسمى قرآنا و توراة و زبورا و إنجيلا فحروفه تعين مراتب كلمه من حيث مفرداتها ثم للكلمة من حيث جمعيتها معنى ليس لآحاد حروف الكلمة فللكلمة أثر في نفس السامع لهذا سميت كلمة في اللسان العربي مشتقة من الكلم و هو الجرح و هو أثر في جسم المكلوم كذلك للكلمة أثر في نفس السامع أعطاه ذلك الأثر استعداد السمع لقبول الكلام بوساطة الفهم لا بد من ذلك فإذا انتظمت كلمتان فصاعدا سمي المجموع آية أي علامة على أمر لم يعط ذلك الأمر كل كلمة على انفرادها مثل الحروف مع الكلمة إذ قد تقرر أن للمجموع حكما لا يكون لمفردات ذلك المجموع فإذا انتظمت الآيات بالغا ما أراد المتكلم أن يبلغ بها سمي المجموع سورة معناها منزلة ظهرت عن مجموع هذه الآيات لم تكن الآيات تعطي تلك المنزلة على انفراد كل آية منها و ليس القرآن سوى ما ذكرناه من سور و آيات و كلمات و حروف فهذا قد أعطيتك أمرا كليا في القرآن و المنازل تختلف فتختلف الآيات فتختلف الكلمات فيختلف نظم الحروف و القرآن كبير كثير لو ذهبنا نبين على التفصيل ما أومأنا إليه لم يف العمر به فوكلناك إلى نفسك لاستخراج ما فيه من الكنوز و هذا إذا جعلناه كلاما فإن أنزلناه كتابا فهو نظم حروف رقمية لانتظام كلمات لانتظام آيات لانتظام سور كل ذلك عن يمين كاتبة كما كان القول عن نفس رحماني فصار الأمر على مقدار واحد و إن اختلفت الأحوال لأن حال التلفظ ليس حال الكتابة و صفة اليد ليست صفة النفس فكونه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 95
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست