responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 92

ينقسم إلى قسمين مكان يسمى سماء و مكان يسمى أرضا و المتمكن فيهما ينقسم إلى قسمين إلى متمكن فيه و إلى متمكن عليه فالمتمكن فيه يكون بحيث مكانه و المتمكن عليه لا يكون بحيث مكانه و هذا حصر كل ما سوى اللّٰه و كل ذلك أرواح في الحقيقة أجسام و جواهر في الحق المخلوق به و هذه الأرواح على مراتب في التنزيه تسمى مكانة و ما من منزه لله تعالى إلا و تنزيهه على قدر مرتبته لأنه لا ينزه خالقه إلا من حيث هو إذ لا يعرف إلا نفسه فيثمر له ذلك التنزيه عند اللّٰه مكانة يتميز بها كل موجود عن غيره و هذا المنزل يحتوي على تنزيه الأرواح المتمكنة لا المكانية و سيرد منزل في هذه المنازل نذكر فيه تنزيه المكان و المتمكن معا فكان هذا المنزل يحتوي على نصف العالم من حيث ما هو منزه ثم إن اللّٰه تعالى عاد بالمكانة على هذا المنزه بأن كان الحق مجلاه فرأى نفسه و رتبته فسبح على قدر ما رأى فإذا هو نفسه لا غيره و ذلك أن الحق أسدل بينه و بين عباده حجاب العزة فوقف التنزيه دونه فعلم إن الحق لا يليق به تنزيه خلقه و أن حجاب العزة أحمى و قهرها أغلب ثم رأى من سواه من العارفين بالله المنزهين بنعوت السلوب على مراتب و قد أقر الجميع منهم بأنهم كانوا غالطين في محل تنزيههم و أن تنزيههم ما خرج عنهم و ذلك لحكمته التي سرت في خلقه فكان ذلك تنزيه الحكمة لا غيره و لو لا ستر حجاب العزة ما عرفوا ذلك و من هذا الحجاب ظهر الكفر في العالم و صارت المعرفة خبرا بما وراء هذا الحجاب فظهر الايمان في العالم بين الستر و المؤمن فالكافر الذي هو الساتر أقرب من أجل الكفر فإن الستر يرى المستور به و المستور عنه و هو صفة الكافر و المؤمن دون هذا الستر فمقامه الحجاب قال تعالى وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ و الايمان متعلقة الخبر و الخبر من أقسام الكلام

[إن اللّٰه سبحانه أخرج أهل الستر من الغيب إلى الشهادة]

ثم إنه سبحانه أخرج أهل الستر من الغيب إلى الشهادة ليحصل له مقام الجمع بين الحالتين فينزهه باللسانين و يثبت له الصفتين و لم يكن في ظنه ما فعله الحق به بل كان يتخيل أن الغيب لا يكون في موطن شهادة لعلمه أن الغيب منيع الحمى لا يعلم ما فيه فيوصل إليه و إنما مقامه أن يكون مشعورا به من غير تعيين ما هو ذلك المشعور به و غفل عن كون اللّٰه يفعل ما يريد و إنه ما في حقه غيب و أن الغيب لا يصح أن يكون إلا إضافيا فلما بدا له من اللّٰه ما لم يكن في حسابه علم إن الأمور بيد اللّٰه و أنه ما ثم من يستحق حكما لنفسه بل هو اللّٰه اَلَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و لما علمت الأشياء أنه لا شيء لها من ذاتها و إنها بحسب ما تقتضيه ذات موجدها و أن الأحوال تتجدد عليها بحسب ما تطلبه حقائق من استندت إليه و هو اللّٰه تعالى خافت حيث لم تقف على علم اللّٰه فيها في المستقبل فتركت جميع ما كانت تعتمد عليه في نفسها لما عند خالقها فسبحته تسبيحا جديدا من خلق جديد و عبرت من النظر إليها إلى النظر إلى من بيده ملكوت كل شيء و لو لا هذا المقام الذي أقامها فيه وردها من قريب إليه لناداها من بعيد فكان المدى يطول عليها و يتعرض لها الآفات و الصوارف في الطريق فإن المسافر و ماله على قلة ثم إن اللّٰه لما حصل الأشياء في هذا المقام رفع لها علما من أعلام المعرفة أعطاها ذلك العلم إنها شق و إنها على النصف من الوجود و أن كمال الوجود بها و لولاها ما ظهر الكمال في الوجود و العلم فزهت و عظم شأنها عندها و ما عرفت أي قسم صح لها من الوجود ثم ظهر ذلك لها في عبادة الصلاة حيث قسمها الحق نصفين بينه و بين عبده فزادت تيها فلما سمعت آخر الخبر موافقا لحالها الذي لم تشعر به في قوله فنصفها لي و لم يقيد و قال في نصف العبد و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل و السؤال مذلة و فقر و حاجة و مسكنة إلا أن العبد لاح له من خلف هذا الحجاب ما لم يكن يظنه و هو أنه في منزل يكون الحق متأخرا عنه مثل قوله وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ و ذلك لأنه في حكم الفرار إذا استقبله ما لا يطيق حمله فأخبره اللّٰه أنه من ورائه و هو الذي يستقبله فإن فر منه فإليه يفر من حيث لا يشعر كما يكون في منزل آخر أو لا له من قوله مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّٰ هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِيَتِهٰا و قد وصف نفسه بأنه الهادي و الهادي هو الذي يكون إمام القوم ليريهم الطريق و هو قوله إِنَّ رَبِّي عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ مٰا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتٰابُ وَ لاَ الْإِيمٰانُ فصارت الأشياء مع الحق عقبة فتقدم تعالى الأشياء ليهديها إلى ما فيه سعادتها و تأخر عنها ليحفظها ممن يغتالها و هو العدم فإن العدم يطلبها كما يطلبها الوجود و هي محل قابل للحكمين ليس في قوتها الامتناع إلا بلطف اللطيف ثم إن اللّٰه تعالى لما أطلعها على هذا حصل لها من العلم بجلال اللّٰه أسماء تسبحه بها و تحمده و تثني عليه بها لم تكن تعلم ذلك قبل هذا المشهد كما قال ص في المقام المحمود يوم القيامة فأحمده بمحامد لا أعلمها

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 92
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست