responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 507

الغايات الأخر فتحكم عليهم الغايات بالطلب لها و لا يزال لهم هذا الأمر دائما و أما المحمدي فما له هذا الحكم و لا هذا الحصر فاتساعه اتساع الحق و ليس للحق غاية في نفسه ينتهي إليها وجوده و الحق مشهود المحمدي فلا غاية له في شهوده و ما سوى المحمدي فإنه مشاهدا مكانه فما من حالة يقام فيها و لا مقام إلا و يجوز عنده انقضاؤه و تبدل الحال عليه أو إعدامه و يرى أن ذلك من غاية المعرفة بالله حيث و في الحكم حقه بالنظر إلى نفسه و إلى ربه و عيسى ع محمدي و لهذا ينزل في آخر الزمان و به يختم اللّٰه الولاية الكبرى و هو روح اللّٰه و كلمته و كلمات الحق لا تنفد فليس للمحمدي غاية في خاطره ينتهي إليها

[المقامات لا تدرك إلا بعين الخيال]

فاعلم إن هذه المقامات المذكورة لا تدرك إلا بعين الخيال إذا شوهدت فإن صورها إذا مثلها اللّٰه فيما شاء أن بمثلها متخيلة فتراه أشخاصا رأى العين كما ترى المحسوسات بالعين و كما ترى المعاني بعين البصيرة فإن اللّٰه إذا قلل الكثير و هو كثير في نفس الأمر أو كثر القليل و هو قليل في نفس الأمر فما تراه إلا بعين الخيال لا بعين الحس و هو البصر نفسه في الحالين كما قال تعالى وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ و قال يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ و ما كانوا مثليهم في الحس فلو لم ترهم بعين الخيال لكان ما رأيت من العدد كذبا و لكان الذي يريه غير صادق فيما أراه إياك و إذا كان الذي أراك ذلك أراكه بعين الخيال كانت الكثرة في القليل حقا و القلة في الكثرة حقا لأنه حق في الخيال و ليس بحق في الحس كما أراك اللبن في الخيال فشربته و لم يكن ذلك اللبن سوى عين العلم فما رأيته لبنا و هو علم إلا بعين الخيال و رأيت تلقينك ذلك العلم ممن تلقنته في صورة شربك اللبن كذلك في عين الخيال و العلم ليس بلبن و التلقين ليس بشرب و قد رأيته كذلك فلو رأيته بعين الحس لكان كذبا لأنك رأيت الأمر على خلاف ما هو عليه في نفسه فما رأيته إلا بعين الخيال في حال يقظتك و إن كنت لا تشعر أنت بذلك فكذلك هو في نفس الأمر لأن اللّٰه صادق فيما يعلمه و هو في الخيال صدق كما رأيته و كذلك تلقيك العلوم من اللّٰه بالضربة باليد فعلم الضروب بتلك الضربة علم الأولين و الآخرين و العلم لا يحصل إلا بالتعليم بالخطاب من المعلم أو بخلق في النفس ضرورة و قد حصل في حضرة الخيال بالضرب فلا بد أن يكون الضرب مخيلا و المضروب في عينه مخيلا إن كان في نوم أو يقظة لصدق الذي يرى ذلك و هو اللّٰه كما قال تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ و لم تسع في نفس الأمر و هكذا كل ما تراه على خلاف ما هو عليه في نفسه ما تراه إلا بعين الخيال حتى يكون صدقا و لهذا يعبر كل ما وقع من ذلك أي يجوز به العابر إلى المعنى الذي أراد اللّٰه بتلك الصورة فلا تغفل عن مثل هذا العلم و فرق بين الأعين و اعلم أنك لا تقدر على ذلك إلا بقوة إلهية يعطيها اللّٰه من شاء من عباده فتعرض لتحصيلها من اللّٰه فإنك مخبر بما رأيت أنك رأيته بحسك و لم يكن الأمر كذلك فتحرر في العبارة فيما تراه كما يفعله المصنف أ لا ترى الصحابة لو وفوا النظر الصحيح حقه و أعطوا المراتب حقها لم يقولوا في جبريل ع إنه دحية الكلبي و لقالوا إن لم يكن روحانيا تجسد و إلا فهو دحية الكلبي أدركناه بالعين الحسي فلم يحرروا و لا أعطوا الأمر الإلهي حقه فهم الصادقون الذين ما صدقوا فقال لهم رسول اللّٰه ص هو جبريل فحينئذ عرفوا ما رأوا و بما ذا رأوا كما قالوا فيه لما تمثل لهم في صورة أعرابي مجهول عندهم حين جاء يعلم الناس دينهم

فقال رسول اللّٰه ص أ تدرون من السائل فقالوا اللّٰه و رسوله أعلم لكونه ظهر في صورة مجهولة عندهم فقال لهم هذا جبريل فإن كان هذا الحديث بعد حديث دحية فقولهم اللّٰه و رسوله أعلم يحتمل أنهم أرادوا احتمال المعنى أو الصورة الروحية أو يكون إنسانا في نفس الأمر و إن كان هذا الحديث أو لا فما جهلوا أنه إنسان و لكن جهلوا اسمه و لمن ينتسب من قبائل العرب فلا يعرف الرائي أنه أدرك ما أدركه بعين الخيال ما لم يعلم المدرك ما هو و ما في الكون أعظم شبهة من التباس الخيال بالحس فإن الإنسان إن تمكن في هذا النظر شك في العلوم الضرورية و إن لم يتمكن فيه أنزل بعض الأمور غير منزلتها فإذا أعطاه اللّٰه قوة التفصيل أبان له عن الأمور إذا رآها بأي عين رآها فيعلم ما هي إذا علم العين التي رآها به من نفسه فأكد ما على أهل علم اللّٰه هذا العلم و كثير من أهل اللّٰه من لا يجعل باله لما ذكرناه و لو لا علمه بنومه فيما يراه أنه رآه في حال نومه ما قال إنه خيال فكم يرى في حال اليقظة مثل هذا و يقول إنه رأى محسوسا بحسه أ لا تراه ص في صدق رؤياه إنه ما يجري على نفسه حال في جسده إلا و يظهر ذلك له في صورة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 507
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست