responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 413

و هو الصبور على أذى خلقه و سمي هذا الصراط صراط الرب لاستدعائه المربوب و جعله مستقيما فمن خرج عنه فقد انحرف و خرج عن الاستقامة و لهذا شرع لنا الود في اللّٰه و البغض في اللّٰه و جعل ذلك من العمل المختص له ليس للعبد فيه حظ إلا ما يعطيه اللّٰه من الجزاء عليه و هو أن يعادي اللّٰه من عادى أولياءه و يوالي من والاهم فالسالك على صراط الرب هو القائم بالصفتين و لكن بالحق المشروع له لله لا لنفسه فإن اللّٰه لا يقوم لأحد من عباده إلا لمن قام له و لهذا قال وَ لاٰ يَخٰافُونَ لَوْمَةَ لاٰئِمٍ و حق اللّٰه أحق بالقضاء من حق المخلوق إذا اجتمعا فإنه ليس لمخلوق حق إلا بجعل اللّٰه فإذا تعين الحقان في وقت ما بدأ العبد الموفق بقضاء حق اللّٰه الذي هو له ثم أخذ في أداء حق المخلوق الذي أوجبه اللّٰه و هذا خلاف ما عليه اليوم الفقهاء في الوصية و الدين فإن اللّٰه تعالى قدم الوصية على الدين و الوصية حق اللّٰه و

قال ص حق اللّٰه أحق أن يقضى فمن سامح في حق اللّٰه عاد عليه عمله فيسامح في حقه فإن تكلم قيل له كذلك فعلت فأجن ثمرة غرسك و صراط الرب لا يكون إلا مع التكليف فإذا ارتفع التكليف لم يبق لهذا الصراط عين وجودية و لهذا يكون المال إلى الرحمة و أزاله حكم الغضب الإلهي في العاصين و قول هود ع إِنَّ رَبِّي عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني فيما شرع مع كونه تعالى آخذا بنواصي عباده إلى ما أراد وقوعه منهم و عقوبته إياهم مع هذا الجبر فاجعل بالك و تأدب و اسلك سواء السبيل

[صراط المنعم]

و أما صراط المنعم و هو صراط الذين أنعم اللّٰه عليهم و هو قوله تعالى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ و ذكر الأنبياء و الرسل ثم قال أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّٰهُ فَبِهُدٰاهُمُ اقْتَدِهْ و هذا هو الصراط الجامع لكل نبي و رسول و هو إقامة الدين و أن لا يتفرق فيه و أن يجتمع عليه و هو الذي بوب عليه البخاري باب ما جاء أن الأنبياء دينهم واحد و جاء بالألف و اللام في الدين للتعريف لأنه كله من عند اللّٰه و إن اختلفت بعض أحكامه فالكل مأمور بإقامته و الاجتماع عليه و هو المنهاج الذي اتفقوا عليه و ما اختلفوا فيه من الأحكام فهو الشرعة التي جعل اللّٰه لكل واحد من الرسل قال تعالى لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً فلم تختلف شرائعكم كما لم يختلف منها ما أمرتم بالاجتماع فيه و إقامته فلما كان الاختلاف منه و هو أهل العدل و الإحسان و كان في الناس الدعوى في نسبة أفعالهم إليهم و اختيارهم فيما اختاروه و لم يسندوا الأمر إلى أهله و إلى من يستحقه نزل الحكم الإلهي على الرسل بكون هذا سيئا و هذا حسنا و هذا طاعة و هذا معصية و نزل الحكم الإلهي على العقول بأن هذا في حق من لا يلائم طبعه و مزاجه أو يوافق غرضه حسن و هذا الذي لا يوافق غرضه و لا يلائم طبعه و مزاجه ليس بحسن و لم يسندوا الأمر إلى عين واحدة فجوزوا بما جوزوا لهذا الأمر فعدل فيما حكم به من الجزاء بالسوء و أحسن بعد الحكم و نفوذه بما آل إليه عباده من الرحمة و رفع الأمور الشاقة عليهم و هي الآلام فعمت رحمته كل شيء

[الصراط الخاص و هو صراط النبي ص]

و أما الصراط الخاص و هو صراط النبي ص الذي اختص به دون الجماعة و هو القرآن حبل اللّٰه المتين و شرعه الجامع و هو قوله وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ يعني هذا الصراط المضاف إليه و ذلك أن محمدا ص كان نبيا و آدم بين الماء و الطين و هو سيد الناس يوم القيامة بإخباره إيانا بالوحي الذي أوحى به إليه و بعثته العامة إشعارا بأن جميع ما تقدمه من الشرائع بالزمان إنما هو من شرعه فنسخ ببعثته منها ما نسخ و أبقى منها ما أبقى كما نسخ ما قد كان أثبته حكما و من ذلك كونه أوتي جوامع الكلم و العالم كلمات اللّٰه فقد آتاه اللّٰه الحكم في كلماته و عم و ختم به الرسالة و النبوة كما بدأ به باطنا ختم به ظاهرا فله الأمر النبوي من قبل و من بعد فورثته الذين لهم الاجتهاد في نصب الأحكام بمنزلة الرسل الذين كانوا قبله بالزمان فمن ورث محمدا ص في جمعيته فكان له من اللّٰه تعريف بالحكم و هو مقام أعلى من الاجتهاد و هو أن يعطيه اللّٰه بالتعريف الإلهي أن حكم اللّٰه الذي جاء به رسول اللّٰه ص في هذه المسألة هو كذا فيكون في ذلك الحكم بمنزلة من سمعه من رسول اللّٰه ص و إذا جاءه الحديث عن رسول اللّٰه ص رجع إلى اللّٰه فيه فيعرف صحة الحديث من سقمه سواء كان الحديث عند أهل النقل من الصحيح أو مما تكلم فيه فإذا عرف فقد أخذ حكمه من الأصل و قد أخبر أبو يزيد بهذا المقام أعني الأخذ عن اللّٰه عن نفسه أنه ناله فقال فيما روينا عنه يخاطب علماء زمانه أخذتم علمكم ميتا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 413
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست