responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 384

و صدقه في أمنه إذا أمنه لعلمه بأنه السيد الوفي الصادق الغني و مهما تهدم شيء من بيت الوجود رمه هذا السيد بيد عبده لأنه آلته في ذلك و المستخدم فعلى يده يكون صلاح ما تهدم منه و يأمره سيده في ذلك إما بمشافهة أو بتبليغ مبلغ يبلغ إليه من السيد بإصلاحه أو صورة حال تعطيه إصلاح ذلك من غير توقف على الأمر الآتي من عند السيد كالرهبانية الحسنة التي ابتدعها من ابتدعها فهو مأجور فيها موافقة بصورة الحال لما في نفس السيد و إن لم يأمر بها في النواميس في أهل الفترات فإن الشرع ما جاء إلا لمصالح الدنيا و الآخرة فالآخرة لا تعرف إلا بأخبار خالقها و أنها في حكم العقل ممكنة و الدنيا و مصالحها معلومة لأنها واقعة مشهودة فللنظر في مصالحها مجال بخلاف الآخرة فلا تتوقف مصالح الدنيا على ما تتوقف عليه مصالح الآخرة و لهذا ما خلت طائفة من ناموس تكون عليه لأن طلب المصالح ذاتي في الحيوان فكيف في الإنسان صاحب الفكر و الرؤية فمن تدبر هذا الوصل رأى عجبا و علم علما يعطيه الرفعة في الدنيا و الآخرة و ينضم إليه علم الجمع و الفرق الذي في عين الجمع و علم الأحوال و الشئون و علم الزمانين و علم ما يختص بالكون و علم القلوب التي وسعت الحق جل جلاله و علم ما يقع به البقاء لهذا الوجود أعني الموجودات كلها و علم العاقبة و هو وصل شريف

إذا صحت عبودة كل عبد تصح له السيادة في الوجود
فيحكم مثل سيده و تبدو عليه بذاك أعلام المزيد
و يخبرنا لسان الحال عنه بأن الأمر فيه من الشهود
له تعنو الوجوه إذا تبدي كما عنت الملائك بالسجود
فيسمو رفعة و يذل عزا فيدعي بالمراد و بالمريد

«الوصل العاشر من خزائن الجود»

و هذا وصل الأذواق و هو العلم بالكيفيات فهي لا تقال إلا بين أربابها إذا اجتمعوا على اصطلاح معين فيها و أما إذا لم يجتمعوا على ذلك فلا تنقال بين الذائقين و هذا لا يكون إلا في العلم بما سوى اللّٰه مما لا يدرك إلا ذوقا كالمحسوسات و اللذة بها و بما يجده من التلذذ بالعلم المستفاد من النظر الفكري فهذا يمكن فيه الاصطلاح بوجه قريب و أما الذوق الذي يكون في مشاهدة الحق فإنه لا يقع عليه اصطلاح فإنه ذوق الأسرار و هو خارج عن الذوق النظري و الحسي فإن الأشياء أعني كل ما سوى اللّٰه لها أمثال و أشباه فيمكن الاصطلاح فيها للتفهيم عند كل ذائق له فيها طعم ذوق من أي نوع كان من أنواع الإدراكات و البارئ ليس كمثله شيء فمن المحال أن يضبطه اصطلاح فإن الذي يشهد منه شخص ما هو عين ما شهده شخص آخر جملة واحدة و بهذا يعرفه العارفون فلا يقدر عارف بالأمر أن يوصل إلى عارف آخر ما يشهده من ربه لأن كل واحد من العارفين شهد من لا مثل له و لا يكون التوصيل إلا بالأمثال فلو اشتركا في صورة لاصطلحا عليها بما شاء و إذا قبل ذلك واحد جاز أن يقبل جميع العالم فلا يتجلى في صورة واحدة لشخصين من العارفين و لكن قد رفع اللّٰه بعض عباده درجات لم يعطها لغير عباده الذين لم يصح لهم هذه الدرجات و هم العامة من أهل الرؤية فيتجلى لهم في صور الأمثال و لهذا تجتمع الأمة في عقد واحد في اللّٰه فيعتقد كل واحد من تلك الطائفة المعينة في اللّٰه ما يعتقده الآخر منها كمن اتفق من الأشاعرة و المعتزلة و الحنابلة و القدماء فقد اتفقوا على أمر واحد لم تختلف فيه تلك الطائفة فجاز إن يصطلحوا فيما اتفقوا عليه و أما لعارفون أهل اللّٰه فإنهم علموا إن اللّٰه لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين و لا في صورة واحدة مرتين فلم ينضبط لهم الأمر لما كان لكل شخص تجل يخصه و رآه الإنسان من نفسه فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق هكذا دائما في كل تجل علم إن الأمر في نفسه كذلك في حقه و حق غيره فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين فهم يعلمون و لا ينقال ما يعلمون و لا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه إلا ما أوقعه تعالى و هو قوله عز و جل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فنفى المماثلة فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 384
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست