responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 370

الشبهات و هو كل معلوم يظهر فيه وجه للحق و وجه لغير الحق فيكون في الأرزاق ما هو حلال بين و حرام بين و بينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن لاحت له وقف عندها حتى يتبين له أمرها فأما إن يلحقها بالحلال و إما أن يلحقها بالحرام فلا يقدم عليها ما دامت في حقه شبهة فإنها في نفس الأمر مخلصة لأحد الجانبين و إنما اشتبه على المكلف لتعارض الأدلة الشرعية عنده في ذلك و في المعقولات كالأفعال الظاهرة على أيدي المخلوقين فيها وجه يدل أنها لله و وجه يدل أنها للمخلوق التي ظهرت في الشهادة عليه و هي في نفس الأمر مخلصة لأحد الجانبين و كذلك السحر و المعجزة فالسحر له وجه إلى الحق فيشبه الحق و له وجه إلى غير الحق فيشبه الباطل مشتق من السحر و هو اختلاط الضوء و الظلمة فلا يتخلص لأحد الجانبين و لما سحر رسول اللّٰه ص فكان يخيل إليه أنه يأتي نساءه و هو لم يأتهن فأتاهن حقيقة في عين الخيال و لم يأتهن حقيقة في عين الحس فهو لما حكم عليه و هذه مسألة عظيمة و إذا أراد من أراد إبطال السحر ينظر إلى ما عقده الساحر فيعطي لكل عقدة كلمة يحلها بها كانت ما كانت فإن نقص عنها بالكلمات بقي الأمر عليه فإنه ما يزول عنه إلا بحل الكل و هو علم إلهي

فإن النبي ص يقول إن روح القدس نفث في روعي و لا يكون النفث إلا ريحا بريق لا بد من ذلك حتى يعم فكما أعطاه من روحه بريحة أعطاه من نشأته الطبيعية من ريقه فجمع له الكل في النفث بخلاف النفخ فإنه ريح مجرد و كذلك السحر و هو الرئة و هي التي تعطي الهواء الحار الخارج و الهواء البارد الداخل و فيها القوتان الجاذبة و الدافعة فسميت سحرا لقبولها النفس الحار و البارد و بما فيها من الرطوبة لا تحترق بقبول النفس الحار و لهذا يخرج النفس و فيه نداوة فذلك مثل الريق الذي يكون في النفث الذي ينفثه الروح في الروع و الساحر في العقدة و يتضمن علم الفرق بين من يريد بسط رحمة اللّٰه على عباده طائعهم و عاصيهم و بين من يريد إزالة رحمة اللّٰه عن بعض عباده و هو الذي يحجر رحمة اللّٰه التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ و لا يحجرها على نفسه و صاحب هذه الصفة لو لا إن اللّٰه سبقت رحمته غضبه لكان هذا الشخص ممن لا يناله رحمة اللّٰه أبدا

[أن اللّٰه تعالى لما أوجد الأشياء وصف نفسه بأنه مع كل شيء]

و اعلم أن اللّٰه تعالى لما أوجد الأشياء عن أصل هو عينه وصف نفسه بأنه مع كل شيء حيث كان ذلك الشيء ليحفظه بما فيه من صورته لإبقاء ذلك النوع في الوجود فظهرت كثرة الصور عن صورة واحدة هي عينها بالحد و غيرها بالشخص كما قلنا في الحبوب عن الحبة الواحدة فهي خزانة من خزائن الجود لما يشبهها و لما يلزمها و إن خالفها في الصورة إذ الخزانة تخزن خزائن و تخزن ما في تلك الخزائن من المخزون فيها فهو و إن خرج عن غير صورتها فلا بد من جامع يجمع بينهما و أظهرها الجسمية في الحبة و الورق و الثمر و الجسد و الفروع و الأصول و هذا مشهود لكل عين من الحبة الواحدة أو البزرة الواحدة زائدا على الأمثال فالكامل من الخلفاء كالحبوب من الحبة و النوى من النواة و البزور من البزرة فيعطي كل حبة ما أعطته الحبة الأصلية لاختصاصها بالصورة على الكمال و ما تميزت إلا بالشخص خاصة و ما عدا الخلفاء من العالم فلهم من الحق ما للأوراق و الأغصان و الأزهار و الأصول من النواة أو البزرة أو الحبة و من هنا يعلم فضل الإنسان الخليفة على الإنسان الحيوان الذي هو أقرب شبها بالإنسان الكامل ثم على سائر المخلوقات فافهم ما بيناه فإنه من لباب العلم بالله الذي أعطاه الكشف و الشهود فإن قلت بما ذا أعلم من نفسي هل أنا من الكمل أو من الحيوان الذي يسمى إنسانا قلنا نعم ما سألت عنه فاعلم إنك لا تعلم أنك على الصورة ما لم تعلم

قوله ص المؤمن مرآة أخيه فيرى المؤمن نفسه في مرآة أخيه و يرى الآخر نفسه فيه و ليس ذلك إلا في حضرة الاسم الإلهي المؤمن و قال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ و

قال المؤمن كثير بأخيه كما أنه واحد بنفسه فيعلم إن الأسماء الإلهية كلها كالمؤمنين إخوة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ يعني إذا تنافروا كالمعز و المذل و الضار و النافع و أما ما عدا الأسماء المتقابلة فهم إخوان عَلىٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ و ليس يصلح بين الأسماء إلا الاسم الرب فإنه المصلح و المؤمن من حيث ما هو مرآة فمن رأى نفسه هكذا علم أنه خليفة من الخلفاء بما رآه من الصورة و هذا الإنسان الحيوان لا مرآة له و إن كان له شكل المرآة لكنها ما فيها جلاء و لا صقالة قد طلع عليها الصدا و الران فلا تقبل صورة الناظر فلا تسمى

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 370
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست