responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 334

و ربما قام إليه و عانقه و آنسه و قال له أحمد اللّٰه الذي طهرك و أظهر له السرور و البشاشة به و ربما أحسن إليه بعد ذلك هذا ميزانه و يرجع لذلك المحدود رحمة كله و قد رأيت ذلك لبعض القضاة ببلاد المغرب قاضي مدينة سبتة يقال له أبو إبراهيم بن يغمور و كان يسمع معنا الحديث على شيخنا أبي الحسين بن الصائغ من ذرية أبي أيوب الأنصاري و على أبي الصبر أيوب الفهري و على أبي محمد بن عبد اللّٰه الحجري بسبتة في زمان قضائه بها و ما كان يأتي إلى السماع راكبا قط بل يمشي بين الناس فإذا لقيه رجلان قد تخاصما و تداعيا إليه وقف إليهما و أصلح بينهما غزير الدمعة طويل الفكرة كثير الذكر يصلح بين القبيلتين بنفسه فيصطلحان ببركته و القاضي إن بقي معه الغضب على المحدود بعد أخذ حق اللّٰه منه فهو غضب نفس و طبع أو لأمر في نفسه لذلك المحدود ما هو غصب لله فلذلك لا يأجره اللّٰه فإنه ما قام في ذلك مراعاة لحق اللّٰه و هذا من قوله تعالى وَ نَبْلُوَا أَخْبٰارَكُمْ فابتلاهم أولا بما كلفهم فإذا عملوا ابتلى أعمالهم هل عملوها لخطاب الحق أو عملوها لغير ذلك و هو قوله عز و جل أيضا يَوْمَ تُبْلَى السَّرٰائِرُ و هذا ميزانه عند أهل الكشف فلا يغفل الحاكم عند إقامة الحدود عن النظر في نفسه و ليحذر من التشفي الذي يكون للنفوس و لهذا نهي عن الحكم في حال غضبه و لو لم يكن حاكما في حق من ابتلي بإقامة حد عليه فإن وجد لذلك تشفيا فيعلم أنه ما قام في ذلك لله و ما عنده فيه خير من اللّٰه و إذا فرح بإقامة الحد على المحدود إن لم يكن فرحه له لما سقط عنه ذلك الحد في الآخرة من المطالبة و إلا فهو معلول و ما عندي في مسائل الأحكام المشروعة بأصعب من الزنا خاصة و لو أقيم عليه الحد فإني أعلم أنه يبقى عليه بعد إقامة الحد مطالبات من مظالم العباد و اعلم أن غير الحاكم ما عين اللّٰه له إقامة الحد عليه فلا ينبغي أن يقوم به غضب عند تعدى الحدود فليس ذلك إلا للحكام خاصة و لرسول اللّٰه ص من حيث ما هو حاكم فلو كان مبلغا لا حاكما لم يقم به غضب على من رد دعوته فإنه ليس له من الأمر شيء و ليس عليه هداهم فإن اللّٰه يقول في هذا للرسول ص إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاٰغُ و قد بلغ فاسمع اللّٰه من شاء و أصم من شاء فهم أعقل الناس أعني الأنبياء و إذا كوشف الداعي على من أصمه اللّٰه عن الدعوة فما سمعها لم يتغير لذلك فإن الصائح إذا نادى من قام به الصمم و علم أنه لم يسمع نداءه لم يجد عليه و قام عذره عنده فإن كان الرسول حاكما تعين عليه الحكم بما عين اللّٰه له فيه و هذا علم شريف يحتاج إليه كل وال في الأرض على العالم و أما علم ما يحتاج إليه الملك من الأرزاق فهو إن يعلم أصناف العالم و ليس إلا اثنان و أعني بالعالم الذي يمشي فيهم حكم هذا الإمام و هم عالم الصور و عالم الأنفس المدبرون لهذه الصور فيما يتصرفون فيه من حركة أو سكون و ما عدا هذين الصنفين فما له عليهم حكم إلا من أراد منهم أن يحكمه على نفسه كعالم الجان و أما العالم النوراني فهم خارجون عن إن يكون للعالم البشري عليهم تولية فكل شخص منهم على مقام معلوم عينه له ربه فما يتنزل إلا بأمر ربه فمن أراد تنزيل واحد منهم فيتوجه في ذلك إلى ربه و ربه يأمره و يأذن له في ذلك إسعافا لهذا السائل أو ينزله عليه ابتداء و أما السائحون منهم فمقامهم المعلوم كونهم سياحين يطلبون مجالس الذكر فإذا وجدوا أهل الذكر و هم أهل القرآن الذاكرون القرآن فلا يقدمون عليهم أحدا من مجالس الذاكرين بغير القرآن فإذا لم يجدوا ذلك و وجدوا الذاكرين اللّٰه لا من كونهم تالين قعدوا إليهم و نادى بعضهم بعضا هلموا إلى بغيتكم فذلك رزقهم الذي يعيشون به و فيه حياتهم فإذا علم الإمام ذلك لم يزل يقيم جماعة يَتْلُونَ آيٰاتِ اللّٰهِ آنٰاءَ اللَّيْلِ و النهار و قد كنا بفأس من بلاد المغرب قد سلكنا هذا المسلك لموافقة أصحاب موفقين كانوا لنا سامعين و طائعين و فقدناهم ففقدنا لفقدهم هذا العمل الخالص و هو أشرف الأرزاق و أعلاها فأخذنا لما فقدنا مثل هؤلاء في بث العلم من أجل الأرواح الذين غذاؤهم العلم و رأينا أن لا نورد شيئا منه إلا من أصل هو مطلوب لهذا الصنف الروحاني و هو القرآن فجميع ما نتكلم فيه في مجالسي و تصانيفي إنما هو من حضرة القرآن و خزائنه أعطيت مفتاح الفهم فيه و الإمداد منه و هذا كله حتى لا نخرج عنه فإنه أرفع ما يمنح و لا يعرف قدره إلا من ذاقه و شهد منزلته حالا من نفسه و كلمه به الحق في سره فإن الحق إذا كان هو المكلم عبده في سره بارتفاع الوسائط فإن الفهم يستصحب كلامه منك فيكون عين الكلام منه عين الفهم منك لا يتأخر عنه فإن تأخر عنه فليس هو كلام اللّٰه و من لم يجد هذا فليس

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 334
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست