responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 325

اللّٰه ذلك علامة لمن لا كشف له على إن للعالم بالله اتصالا معنويا من وجه و فصلا من وجه فهو من حقيقة ذاته و ألوهته و فاعليته متصل منفصل من وجه واحد ذلك الوجه عينه لأنه لا يتكثر و إن كثرت أحكامه و أسماؤه و معقولات أسمائه فاتصاله خلقه إيانا بيديه مٰا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ خَلَقْنٰا لَهُمْ مِمّٰا عَمِلَتْ أَيْدِينٰا أَنْعٰاماً فَهُمْ لَهٰا مٰالِكُونَ و انفصاله انفصال ألوهة من عبودة لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ بانفصاله اَلْحَكِيمُ باتصاله و لكن لا يكون التكوين من العالم إلا باتصاله لا بانفصاله و العالم يكون ما كلفه اللّٰه به من العبادات و لهذا أضاف أعمالها إلى العبد و أمره أن يطلب الإعانة من اللّٰه في ذلك كما أنه آلة للحق في بعض الأفعال و الآلات معينة للصانع فيما لا يصنع إلا بآلة و العالم منفصل عن الحق بحده و حقيقته فهو منفصل متصل من عين واحدة فإنه لا يتكثر في عينه و إن تكثرت أحكامه فإنها نسب و إضافات عدمية معلومة فخرج على صورة حق فما صدر عن الواحد إلا واحد و هو عين الممكن و ما صدرت الكثرة أعني أحكامه إلا من الكثرة و هي الأحكام المنسوبة إلى الحق المعبر عنها بالأسماء و الصفات فمن نظر العالم من حيث عينه قال بأحديته و من نظره من حيث أحكامه و نسبه قال بالكثرة في عين واحدة و كذلك نظره في الحق فهو الواحد الكثير كما أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ و أين التنزيه من التشبيه و الآية واحدة و هي كلامه عن نفسه على جهة التعريف لنا بما هو عليه في ذاته ففصل بليس و أثبت بهو و أما نداؤه تعالى للعالم و نداء العالم إياه فمن حيث الانفصال فهو ينادي يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ و نحن ننادي يا ربنا ففصل نفسه عنا كما فصلنا أيضا أنفسنا عنه فتميزنا و أين هذا المقام من مقام الاتصال إذا أحبنا و كان سمعنا و بصرنا و جميع قوانا و جعل ذلك حين أخبرنا اتصال محب بمحبوب فنسب الحب إليه و نحن المحبوبون و لا خفاء بالفرق بين أحكام المحب و منزلته و بين أحكام المحبوب و منزلته فارتفعنا به و نزل سبحانه بنا و ذلك حتى لا يكون الوجود على السواء فإنه محال التسوية فيه فلا بد من نزول و رفعة فيه و ما ثم إلا نحن و هو فإذا كان حكم واحد النزول كان حكم الآخر الرفعة و العلو و كل محب نازل و كل محبوب عال و ما منا إلا محب و محبوب ف‌ مٰا مِنّٰا إِلاّٰ لَهُ مَقٰامٌ مَعْلُومٌ و ما منا إلا نازل علي فهذه أحكام مختلفة في عين واحدة

فيا أيها المؤمنون اتقوا و يا ربنا ما الذي نتقي
فنادى فناديت مستفهما فلم أدر من راح أو من بقي
و قسم حكمي على حكمه فأما سعيد و إما شقي
فيرضى و يغضب في حكمه و يشقى و يسعد إذا نتقي
فأين الإكاليل من رجله و أين النعال من المفرق
فيظهر في ذا و ذا مثله ليلقى العبيد الذي قد لقي
إذا كان ما قلته كائنا فقد علم العبد ما يتقى

[القرب المفرط حجاب]

و اعلم أيدك اللّٰه أن في هذا المنزل من العلوم علم الحجب المتصلة بالمحجوب فإن القرب المفرط حجاب مثل البعد المفرط و فيه علم مجالسة العبد ربه إذا ذكره و انقسام أهل الذكر فيه إلى من يعلم أنه جليس الحق في حين ذكره الحق و إلى من لا يعلم ذلك و سبب جهله بمجالسته ربه كونه لا يعلم ربه فلا يميزه أو كونه لا يعلم أن ربه ذكره لصمم قام به و غشاوة على بصره فإن الذاكر الصحيح يعلم متى يذكره ربه و إن لم يعلم شهودا مجالسة ربه و غيره يعلم ذلك و يشهد جليسه فكما هو الحق جليس من ذكره كذلك العبد جليس الحق إذا ذكره ربه و لا يجالسه إلا عبد في الحالتين و لو جالسة به فعبوديته لم تزل فإن عينه لم تزل لأن غاية القرب أن يكون الحق سمعه و بصره فقد أثبت عينه و ليس عينه سوى عبودته و فيه علم ما الفرق بين مجالسة الحق تعالى في الخلوة و الجلوة هل الصورة في ذلك واحدة أم تتنوع بتنوع المجالس و فيه علم ما يتحدث به جليس الحق مع الحق و في أي صورة يكون ذلك فإن المشاهدة للبهت فهل كل مشاهدة للبهت أو لا يكون البهت إلا في بعض المشاهدات و لا بد من العلم بأن المتجلي هو اللّٰه تعالى و فيه علم كل من دعا اللّٰه كائنا من كان إنه لا يشقى و لا أحاشي أحدا و إن شقي الداعي لعارض فالمال إلى السعادة الأبدية و فيه علم من خاف غير اللّٰه بالله ما حكمه عند اللّٰه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 325
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست