responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 304

في العالم سكون البتة و إنما هو متقلب أبدا دائما من حال إلى حال دنيا و آخرة ظاهرا و باطنا إلا إن ثم حركة خفية و حركة مشهودة فالأحوال تتردد و تذهب على الأعيان القابلة لها و الحركات تعطي في العالم آثارا مختلفة و لولاها لما تناهت المدد و لا وجد حكم للعدد و لا جرت الأشياء إلى أجل مسمى و لا كان انتقال من دار إلى دار و أصل وجود هذه الأحوال النعوت الإلهية من نزول الحق إلى السماء الدنيا كل ليلة و استواءه على عرش محدث و كونه و لا عرش في عماء و هذا الذي أوجب أن يكون الحق سمع العبد و بصره و عين مشيئته فبه يسمع و يبصر و يتحرك و يشاء فسبحان من خفي في ظهوره و ظهر في خفائه و وصف نفسه بما يقال فيه إنه صمد لا إله إلا هو يصورنا فِي الْأَرْحٰامِ كَيْفَ يَشٰاءُ و يقلب الليل و النهار : و هو معنا أينما كنا : و هو أقرب إلينا منا : فكثرناه بنا و وحدناه به ثم طلب منا أن نوحده بلا إله إلا اللّٰه فوحدناه بأمره و كثرناه بنا

ما كل وقت يريك الحق حكمته في كل وقت و لا يخليه عن حكم
فانظر إلى فرح في القلب من ترح من الطباق عن الألواح عن قلم
جاءت بها رسل الأرواح نازلة على سرائرنا من حضرة الكلم
فكل علم خفي عز مطلبه على العقول التي لم تحظ بالقدم
فقمت حبا و إجلالا لمنزلها أمشي على الرأس سعيا لا على القدم
و لما لم تكن الأكوان سوى هذه الأربعة الأحوال فبقي الكلام في الساكن إذا سكن فبمن و إذا تحرك فإلى من و إذا اجتمع فبمن و إذا افترق فعمن

فما ثم إلا اللّٰه ما ثم غيره و ما ثم إلا عينه و إرادته
فسكن في اللّٰه فهو حيزه إذ كان في علمه و لا عين له فهو هيولاه فتصور بصورة العبد فكان له حكم ما خلق و لَهُ مٰا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ و من المحال أن يكون الأمر خلاف هذا فبه تلبس و عليه أسس بنيانه و ثبت

فإن شهدت سواه فهو صورته و إن تكثرت الآيات و الصور
ليست بغير سوى من كان منزلها لكنها سور تعنو لها سور
فما في الكون حركة معقولة كما أنه ما ثم سكون مشهود

فانظر إلى الضد كيف يخفى و ليس شيء سواه يبدو
فأعجب لحركة في عين سكون فإن الخلأ قد امتلأ فالعالم ساكن في خلائه و الحركة لا تكون إلا في خلاء هذه حركة الأجسام و الخلأ ملآن فلا يقبل الزيادة فإنه ما لها أين و كما سكن في اللّٰه تحرك إلى اللّٰه كما قال وَ تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أي ارجعوا إلى ما منه خرجتم فإنهم خرجوا مقرين بربوبيته ثم فزعوا فيها فقيل لهم ارجعوا إلى ما منه خرجتم و ليس إلا اللّٰه و لا رجوع إليه إلا به إذ هو الصاحب في السفر فإن رجع رجعنا فإن الرجوع لا يكون إلا لمن له الحكم و لا حكم إلا لله ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا

فهذا صدق ما قلنا فلا تعدل عن الرشد
فكونوا كيفما شئتم فإن الحق بالرصد
و إذا تحركت إليه فهو الهادي أو منه فمن اسمه المضل فحيرك ثم هداك فتاب عليك بالهدى فتحركت إليه بالتوبة فمن مضل إلى هاد و إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ الرُّجْعىٰ و أما قولنا إذا اجتمع فبمن فنقول اجتمع بالله في عين كونه تولاه اللّٰه و هو قوله لعبده هل واليت في وليا فإنه عند وليه فمن والى وليا في اللّٰه فقد والى اللّٰه و ليس الاجتماع سوى ما ذكرناه

ورد في الخبر أن اللّٰه يقول يا عبدي مرضت فلم تعدني فيقول يا رب كيف أعودك و أنت رب العالمين فقال يا عبدي أما علمت إن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده فإن المريض لا يزال ذاكر اللّٰه ذكر اضطرار و افتقار و هو الذكر الأصلي الذي أنبنى عليه وجود الممكن و الحق تعالى جليس الذاكر له فمن والى في اللّٰه وليا فقد اجتمع بالله فإن كنت أنت وليا

[إن اللّٰه إذا والى وليا هو معه]

فاعلم إن اللّٰه أيضا معك فإذا واليت وليا و اللّٰه معه فقد اجتمع اللّٰه بالله فجمعت بين اللّٰه و نفسه فحصل لك أجر ما يستحقه صاحب هذه الجمعية فرأيت اللّٰه برؤية وليه فإن كان في الولاية أكبر منك فالله عنده أعظم و أكبر مما هو عندك فإن اللّٰه عند أوليائه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 304
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست