responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 297

خلل فليحك ذراعه بذراعه حكا قويا حتى يجد الحرارة من جلد ذراعه ثم يستنشقه فيجد فيه رائحة الحماة و هي أصله التي خلق الجسم منها قال اللّٰه تعالى خَلَقَ الْإِنْسٰانَ مِنْ صَلْصٰالٍ و مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فلما طهرت فخارة الإنسان بطبخ ركن النار إياها و التأمت أجزاؤه و قويت و صلبت قصرها بالماء الذي هو عنصر الحياة فأعطاها الماء من رطوبته و ألان بذلك من صلابة الفخار ما ألان فسرت فيه الحياة و أمده الركن الهوائي بما فيه من الرطوبة و الحرارة ليقابل بحرارته برد الماء فامتنعا فتوفرت الرطوبة عليه فأحال جوهرة طينته إلى لحم و دم و عضلات و عروق و أعصاب و عظام و هذه كلها أمزجة مختلفة لاختلاف آثار طبيعة العناصر و استعدادات أجزاء هذه النشأة فلذلك اختلفت أعيان هذه النشأة الحيوانية فاختلفت أسماؤها لتتميز كل عين من غيرها و جعل غذاء هذه النشأة مما خلقت منه و الغذاء سبب في وجود النبات و به ينمو فعبر عن نموه و ظهور الزيادة فيه بقوله وَ اللّٰهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبٰاتاً و معناه فنبتم نباتا فإن مصدر أنبت إنما هو إنبات فأضاف النبات إلى الشيء الذي ينمو يقول جعل غذاءكم منها أي مما تنبته فتنبتون به أي تنمي أجسامكم و تزيد فلما أكمل النشأة الجسمية النباتية الحيوانية و ظهر فيها جميع قوى الحيوان أعطاه الفكر من قوة النفس العملية و أعطاه ذلك من قوة النفس العلمية من الاسم الإلهي المدبر فإن الحيوان جميع ما يعمله من الصنائع و ما يعلمه ليس عن تدبير و لا روية بل هو مفطور على العلم بما يصدر عنه لا يعرف من أين حصل له ذلك الإتقان و الإحكام كالعناكب و النحل و الزنابير بخلاف الإنسان فإنه يعلم أنه ما استنبط أمرا من الأمور إلا عن فكر و روية و تدبير فيعرف من أين صدر هذا الأمر و سائر الحيوان يعلم الأمر و لا يعلم من أين صدر و بهذا القدر سمي إنسانا لا غير و هي حالة يشترك فيها جميع الناس إلا الإنسان الكامل فإنه زاد على الإنسان الحيواني في الدنيا بتصريفه الأسماء الإلهية التي أخذ قواها لما حذاه الحق عليها حين حذاه على العالم فجعل الإنسان الكامل خليفة عن الإنسان الكل الكبير الذي هو ظل اللّٰه في خلقه من خلقه فعن ذلك هو خليفة و لذلك هم خلفاء عن مستخلف واحد فهم ظلاله للأنوار الإلهية التي تقابل الإنسان الأصلي و تلك أنوار التجلي تختلف عليه من كل جانب فيظهر له ظلالات متعددة على قدر أعداد التجلي فلكل تجل فيه نور يعطي ظلا من صورة الإنسان في الوجود العنصري فيكون ذلك الظل خليفة فيوجد عنه الخلفاء خاصة و أما الإنسان الحيواني فليس ذلك أصله جملة واحدة و إنما حكمه حكم سائر الحيواني إلا أنه يتميز عن غيره من الحيوان بالفصل المقوم له كما يتميز الحيواني بعضه عن بعض بالفصول المقومة لكل واحد من الحيوان فإن الفرس ما هو الحمار من حيث فصله المقوم له و لا البغل و لا الطائر و لا السبع و لا الدودة فالإنسان الحيواني من جملة الحشرات فإذا كمل فهو الخليفة فاجتمعنا لمعان و افترقا لمعان

[إن اللّٰه أعطاه حكم الخلافة و اسم الخليفة]

ثم إن اللّٰه أعطاه حكم الخلافة و اسم الخليفة و هما لفظان مؤنثان لظهور التكوين عنهما فإن الأنثى محل التكوين فهو في الاسم تنبيه و لم يقل فيه نائب و إن كان المعنى عينه و لكن قال إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و ما قال إنسانا و لا داعيا و إنما ذكره و سماه بما أوجده له و إنما فرقنا بين الإنسان الحيواني و الإنسان الكامل الخليفة لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الْإِنْسٰانُ مٰا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ اَلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّٰاكَ فَعَدَلَكَ فهذا كمال النشأة الإنسانية العنصرية الطبيعية ثم قال له بعد ذلك فِي أَيِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ رَكَّبَكَ إن شاء في صورة الكمال فيجعلك خليفة عنه في العالم أو في صورة الحيوان فتكون من جملة الحيوان بفصلك المقوم لذاتك الذي لا يكون إلا لمن ينطلق عليه اسم الإنسان و لم يذكر في غير نشأة الإنسان قط تسوية و لا تعديلا و إن كان قد جاء اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّٰى فقد يعني به خلق الإنسان لأن التسوية و التعديل لا يكونان معا إلا للإنسان لأنه سواه على صورة العالم و عدله عليه و لم يكن ذلك لغيره من المخلوقين من العناصر ثم قال له بعد التسوية و التعديل كن و هو نفس إلهي فظهر الإنسان الكامل عن التسوية و التعديل و نفخ الروح و قول كن و هو قوله إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فشبه الكامل و هو عيسى ع بالكامل و هو آدم ع خليفة بخليفة و غير الخلفاء إنما سَوّٰاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ و ما قال فيه إنه قال له كن إلا في الآية الجامعة في قوله إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فاجعل بالك لما نبهتك عليه فنقص عن مرتبة الكمال التي أعطاها

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست