responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 263

الناطقة في هذا المركب الحيواني إلا المشي بها على الطريق المستقيم الذي عينه لها الحق فإن أجابت النفس الحيوانية لذلك فهي المركب الذلول المرتاض و إن أبت فهي الدابة الجموح كلما أراد الراكب أن يردها إلى الطريق حرنت عليه و جمحت و أخذت يمينا و شمالا لقوة رأسها و سوء تركيب مزاجها فالنفس الحيوانية ما تقصد المخالفة و لا تأتي المعصية انتهاكا لحرمة الشريعة و إنما تجري بحسب طبعها لأنها غير عالمة بالشرع و اتفق أنها على مزاج لا يوافق راكبها على ما يريد منها و النفس الناطقة لا يتمكن لها المخالفة لأنها من عالم العصمة و الأرواح الطاهرة فإذا وقع العقاب يوم القيامة فإنما يقع على النفس الحيوانية كما يضرب الراكب دابته إذا جمحت و خرجت عن الطريق الذي يريد صاحبها أن يمشي بها عليه أ لا ترى الحدود في الزنا و السرقة و المحاربة و الافتراء إنما محلها النفس الحيوانية البدنية و هي التي تحس بألم القتل و قطع اليد و ضرب الظهر فقامت الحدود على الجسم و قام الألم بالنفس الحساسة الحيوانية التي يجتمع فيها جميع الحيوان المحس للآلام فلا فرق بين محل العذاب من الإنسان و بين جميع الحيوان في الدنيا و الآخرة و النفس الناطقة على شرفها مع عالمها في سعادتها الدائمة

أ لا ترى إلى النبي ص قد قام لجنازة يهودي فقيل له إنها جنازة يهودي فقال ص أ ليست نفسا فما علل بغير ذاتها فقام إجلالا لها و تعظيما لشرفها و مكانتها و كيف لا يكون لها الشرف و هي منفوخة من روح اللّٰه فهي من العالم الأشرف الملكي الروحاني عالم الطهارة فلا فرق بين النفس الناطقة مع هذه النفس البدنية الحيوانية و بين الراكب على الدابة في الصورة فأما جموح و إما ذلول فقد بان لك أن النفس الناطقة ما عصت و إنما النفس الحيوانية ما ساعدتها على ما طلبت منها و إن النفس الحيوانية ما خوطبت بالتكليف فتتصف بطاعة أو معصية فاتفق إن كانت جموحا اقتضاه طبعها لمزاج خاص فاعلم ذلك و إن لله يعم برحمته الجميع فإن رحمة اللّٰه سبقت غضبه لما تجاريا إلى الإنسان

[أن الجود الإلهي لا يزال يمتن على الأعيان بالإيجاد]

و اعلم أن اللّٰه تعالى لم يزل ناظرا إلى أعيان الأشياء الممكنة في حال عدمها و أن الجود الإلهي لا يزال يمتن عليها بالإيجاد على ما سبق العلم به من تقدم بعضها على بعض في الوجود بالإيجاد و لما كان ما به بقاء عين الجوهر الكل لا يتمكن إلا بقيام بعض الممكنات به مما لا يقوم بنفسه منها لم يزل الحفظ الإلهي يحفظ عليها بقاءها به و هي في ذاتها لا تقبل البقاء إلا زمان وجودها فلا يزال الجود الإلهي يوجد لهذا الجوهر الكل الذي فتح اللّٰه فيه صور العالم ما به بقاؤه من الممكنات الشرطية فلا يزال اللّٰه خالقا على الدوام حافظا له على الدوام و كذلك سبحانه و تعالى لو لا أنه أسرى بسر الحياة في الموجودات ما كانت ناطقة و لو لا سريان العلم فيها ما كانت ناطقة بالثناء على اللّٰه موجدها و لهذا قال وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فأتى بلفظ النكرة و ما خص شيئا ثابتا من شيء موجود لأنها قبلت شيئية الوجود على الحال التي كانت عليها في شيئية الثبوت و قد أعلمنا اللّٰه أنه خاطبها في حال عدمها و إنها امتثلت أمره عند توجه الخطاب فبادرت إلى امتثال ما أمرها به فلو لا أنها منعوتة في حال عدمها بالنعوت التي لها في حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلك و هو الصادق المخبر بحقائق الأشياء على ما هي عليه فما ظهرت أعيان الموجودات إلا بالحال التي كانت عليها في حال العدم فما استفادت إلا الوجود من حيث أعيانها و من حيث ما به بقاؤها فكل ما هي عليه الأعيان القائمة بأنفسها ذاتي لها و إن تغيرت عليها الأعراض بالأمثال و الأضداد إلا إن حكمها في حال عدمها ليس حكمها في حال وجودها من حيث أمر ما و ذلك لأن حكمها في حال عدمها ذاتي لها ليس للحق فيها حكم و لو كان لم يكن لها العدم صفة ذاتية فلا تزال الممكنات في حال عدمها ناظرة إلى الحق بما هي عليه من الأحوال لا يتبدل عليها حال حتى تتصف بالوجود فتتغير عليها الأحوال للعدم الذي يسرع إلى ما به بقاء العين و ليست كذلك في حال العدم فإنه لا يتغير عليها شيء في حال العدم بل الأمر الذي هي عليه في نفسها ثابت إذ لو زال لم تزل إلا إلى الوجود و لا يزول إلى الوجود إلا إذا اتصف العين القائم به هذا الممكن الخاص بالوجود فالأمر بين وجود و عدم في أعيان ثابتة على أحوال خاصة فإذا حققت هذا الذي أبرزناه إليك علمت الخلق و الخالق و ما ينبغي للخلق أن تكون عليه من الحكم و ما ينبغي للخالق أن يوصف به فإنه ليس كمثله شيء و كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فلا يشبهه شيء ثابت و لا شيء موجود و ما وقفت على ما وقفت عليه من هذا العلم الذي أداني شهوده و حكمه إلى البقاء معه و إلى أن الزهد في الأشياء لا يقع إلا من الجهل القائم بهذا الزاهد و هو عدم العلم و من الغطاء الحجابي الذي على عينه و هو عدم

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 263
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست