responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 259

من كل شيء حتى من نفسه و جوارحه فإن اللّٰه يقول يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ و قال تعالى اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ و أخبر تعالى عن بعض الناس المشهود عليهم أنهم يقولون لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا قٰالُوا أَنْطَقَنَا اللّٰهُ يعني بالشهادة عليكم اَلَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فيا ولي لا تكن الجلود أعلم بالأمر منك مع دعواك إنك من أهل العقل و الإستبصار فهذه الجلود قد علمت نطق كل شيء و أن اللّٰه منطقه بما شاء ثم قال وَ مٰا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لاٰ أَبْصٰارُكُمْ وَ لاٰ جُلُودُكُمْ أي هذا لا يمكن الاستتار منه لأنكم ما تعملون الذي تأتونه من المنكرات إلا بالجوارح فإنها عين الآلة تصرفونها في طاعة اللّٰه أو معصيته فلا يتمكن لكم الاستتار عما لا يمكنك العمل إلا به وَ لٰكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّٰهَ لاٰ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّٰا تَعْمَلُونَ هذا خطاب لمن يعتقد أن اللّٰه لا يعلم الجزئيات خاصة ثم قال وَ ذٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدٰاكُمْ أي أهلككم فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخٰاسِرِينَ و الخسران ضد الربح و هو نقص من رأس المال لما كان الأمر تجارة اتصف بالربح و الخسران يقول تعالى فَمٰا رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ وَ مٰا كٰانُوا مُهْتَدِينَ عقيب قوله أُولٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاٰلَةَ بِالْهُدىٰ فلما باعوا الهدى بالضلالة خسروا و قال هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلىٰ تِجٰارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ ثم ذكر ما هي التجارة فقال تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ و إنما عدل في هذه الأمور إلى التجارة دون غيرها فإن القرآن نزل على قرشي بلغة قريش بالحجاز و كانوا تجارا دون غيرهم من الأعراب فلما كان الغالب عليهم التجارة كسى اللّٰه ذات الشرع و الايمان لفظ التجارة ليكون أقرب إلى أفهامهم و مناسبة أحوالهم و بعد أن أبنت لك عن الأمور على ما هي عليه إن كنت ذا نظر أو إيمان فإني ما أخبرتك إلا بممكن ما أخبرتك بمحال فلنقل بعد هذا البيان الشافي و الإيضاح الكافي لأهل طريق اللّٰه خاصة و خاصته من عباده من مكاشف و مؤمن إن البهائم ما اختصت بهذا الاسم المشتق من الإبهام و المبهم إلا لكون الأمر أبهم علينا فإنا قد بينا لك ما هي عليه من المعرفة بالله و بالموجودات و إنما سميت بذلك لما انبهم علينا من أمرها فإبهام أمرها إنما هو من حيث جهلنا ذلك أو حيرتنا فيه فلم نعرف صورة الأمر كما يعرفه أهل الكشف فهي عند غير أهل الكشف و الايمان بهائم لما نبهم عليهم من أمرها لما يرون من بعض الحيوان من الأعمال الصادرة عنها التي لا تصدر إلا عن فكر و روية صحيحة و نظر دقيق يصدر منهم ذلك بالفطرة لا عن فكر و لا روية فأبهم اللّٰه على بعض الناس أمرهم و لا يقدرون على إنكار ما يرونه مما يصدر عنهم من الصنائع المحكمة فذلك جعلهم يتأولون ما جاء في الكتاب و السنة من نطقهم و نسبة القول إليهم ليت شعري ما يفعلون فيما يرونه مشاهدة في الذي يصدر عنهم من الأفعال المحكمة كالعناكب في ترتيب الحبالات لصيد الذباب الذي جعل اللّٰه أرزاقهم فيه و ما يدخره بعض الحيوان من أقواتهم على ميزان معلوم و قدر مخصوص و علمهم بالأزمان و احتياطهم على نفسهم في أقواتهم فيأكلون نصف ما يدخرونه خوف الجدب فلا يجدون ما يتقوتون به كالنمل فإن كان ذلك عن نظر فهم يشبهون أهل النظر فأين عدم العقل الذي ينسب إليهم و إن كان ذلك علما ضروريا فقد أشبهونا فيما لا ندركه إلا بالضرورة فلا فرق بيننا و بينهم لو رفع اللّٰه عن أعيننا غطاء العمي كما رفعه اللّٰه عن أبصار أهل الشهود و بصائر أهل الايمان و في عشق الأشجار بعضها بعضا التي لها اللقاح فإن ذلك فيها أظهر آيات لأهل النظر إذا أنصفوا

[أن العاقل إذا أراد أن يوصل إليك ما في نفسه لم يقتصر في ذلك التوصيل على العبارة بنظم حروف]

و اعلم أن العاقل كان من كان من أي أصناف العالم إن شئت إذا أراد أن يوصل إليك ما في نفسه لم يقتصر في ذلك التوصيل على العبارة بنظم حروف و لا بد فإن الغرض من ذلك إذا كان إنما هو إعلامك بالأمر الذي في نفس ذلك المعلم إياك فوقتا بالعبارة اللفظية المنطوق بها في اللسان المسماة في العرف قولا و كلاما و وقتا بالإشارة بيد أو برأس أو بما كان و وقتا بكتاب و رقوم و وقتا بما يحدث من ذلك المريد إفهامك بما يريد الحق أن يفهمك فيوجد فيك أثرا تعرف منه ما في نفسه و يسمى هذا كله أيضا كلاما كما قال تعالى أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ فأخبر أنها تكلمنا و ذلك أنها إذا خرجت من أجياد و هي دابة أهلب كثيرة الشعر لا يعرف قبلها من دبرها يقال لها الجساسة فتنفخ فتسم بنفخها وجوه الناس شرقا و غربا جنوبا و شمالا برا و بحرا فيرتقم في جبين كل شخص ما هو عليه في علم اللّٰه من إيمان و كفر فيقول من سمته مؤمنا لمن

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 259
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست