responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 234

مشركون فقد أثبتوا بكونهم مشركين عين ما دعاهم إليه هذا الرسول و هو ما أثبت الشريك و هم قالوا إنما ندعوهم لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ فأثبتوا له سبحانه و تعالى التعظيم و المنزلة العظمى التي ليست لشركائهم فمن هناك لم يتمكن لهم أن يقولوا في الجواب مثل ما قال لهم فإنه قال لهم ما ليس لي به علم و هم علماء بما دعاهم الرسول إليه فلما دعاهم دعاهم بحالهم و لسانهم من حيث ما أثبتوا عين ما دعاهم إليه و زادوا الشريك الذي لا علم لمحمد ص به فإذا قال صاحب الكشف لصاحب الفكر مثل هذا كان جواب صاحب الفكر له أشد في البعد عن اللّٰه من المشركين مع رسول اللّٰه ص و كان المشركون أسعد حالة من أصحاب الفكر فإنهم أثبتوا على كل حال عين ما دعاهم إليه أنه له المنزلة العليا و هؤلاء قالوا إن اللّٰه لا يعلم ما نحن عليه حيث قالوا إنه أعظم من أن يعلم الجزئيات بل علمه في الأشياء علم كلي و هو أن يعلم أن في العالم من يتحرك و يسكن لا أنه يعلم أن زيد بن عمرو هو المتحرك عند زوال الشمس هذا أعطاهم فكرهم فمن هنا يعلم أن المشرك أسعد حالا منهم و أعطاهم فكرهم إن هذه النواميس الإلهية السائرة في العالم إمداد الأرواح العلوية للنفوس الفاضلة القابلة لمصالح العالم في الدنيا فهي أوضاع روحانية على السنة قوم قد خلصوا نفوسهم من رق الشهوات و أسر الطبيعة و صفوا مرائي قلوبهم فأقبلت عليهم الأرواح العلوية و جالسوا بأفكارهم الملأ الأعلى فأمدهم بما وضعوه في العالم من أسباب الخير فسموا أنبياء و حكماء و رسلا و ليس إلا هذا و جعلوا ما وضعوه من الوعد و الوعيد المغيب المسمى الدار الآخرة سياسات يسوسون بها النفوس الشوارد عن النظر فيما ينبغي لهم مما وجدوا له لا غير و نعوذ بالله من هذا القول و هذا العلم فهذا ما أعطاهم الفكر حيث استعملوه في غير موطنه و ذهبوا به في غير مذهبه وَ اللّٰهُ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ

و أما الطلسم الثاني و هو الخيال

فيجسد المعاني و يدخلها في قالب الصور الحسية فهو طلسم أيضا على أهل الأفهام القاصرة التي لا علم لها بالمعاني المجردة عن المواد فلا تشهدها و لا يشهد هؤلاء إلا صورا جسدية فيحرم من حكم عليه طلسم الخيال إدراك الأمور على ما هي عليه في أنفسها من غير تخيل فهؤلاء لا يقبلون شيئا من المعاني مع علمهم بأنها ليست صورا جسدية إلا حتى يصوروها في خيالهم صورا متجسدة متحيزة متميزة فيجمعون بين النقيضين فأنتم تعلمون أنها ليست صورا و لا يقبلونها إلا صورا فمن أراد رفع حكم هذا الطلسم فإن الطلسم لا يرتفع أبدا من هذه النشأة فإنه وضع إلهي و كذلك جميع الطلسمات الإلهية لا ترتفع أعيانها و لا ترفع أحكامها في الموضع الذي جعل الحق تعالى حكمها فيه و لكن بعض الناس خرجوا بها عن طريقها فذلك الحكم الذي أعطاه ذلك الخروج هو الذي يرتفع لا غيره فاعلم ذلك فيرتفع حكم صاحب هذا الطلسم إذا أبصر الفكر قد دخل لخزانة هذا الخيال ثم انصرف خارجا منه فيصحبه إلى العقل ليشاهد المعاني مجردة عن الصور كما هي في نفسها فأول ما يشهد من ذلك حقيقة الفكر الذي صحبه إلى العقل فيراه مجردا عن المواد التي كان الخيال يعطيه إياها فيشكر اللّٰه و يقول هكذا كنت أعلمه قبل إن أشهده و ما كان الغرض إلا أن يوافق الشهود العلم فإذا ارتفع إلى العقل شاهده أيضا مجردا عن المواد في نفسه فيحصل له أنس بعالم المعاني المجرد عن المواد فإذا تحقق بهذه المشاهدة انتقل إلى مشاهدة الحق الذي هو أثره في التجرد من المعاني فإنه و إن تجردت المعاني المحدثة فما تجردت عن حدوثها و إمكانها فيشاهد فيها صاحب هذا المقام عدمها الأصلي الذي كان لها و يشاهد حدوثها و يشاهد إمكانها كل ذلك في غير صورة مادية فإذا ارتقى إلى الحق فأول ما يشاهد منه عين إمكانه فيقع له عند هذا تحير فيه فإنه علمه غير ممكن فيأخذ الحق بيده في ذلك بأن يعرفه أن الذي شاهده من الحق ابتداء عين الإمكان الذي يرجع إلى المشاهد و هو الذي يقول فيه إنه يمكن أن يشهدني الحق نفسه و يمكن أن لا يشهدني فهذا الإمكان هو الذي ظهر له من الحق في أول شهوده فإنه قد ترجح له بالشهود أحد الوجهين من الإمكان فيسكن عند ذلك و تزول عنه الحيرة ثم يتجلى له الحق في غير مادة لأنه ليس عند ذلك في عالم المواد فيعلم من اللّٰه على قدر ما كان ذلك التجلي و لا يقدر أحد على تعيين ما تجلى له من الحق إلا أنه تجلى في غير مادة لا غير و سبب ذلك أن اللّٰه يتجلى لكل عبد من العالم في حقيقة ما هي عين ما تجلى بها لعبد آخر و لا هي عين ما يتجلى له بها في مجلى آخر فلذلك لا يتعين ما تجلى فيه و لا ينقال فإذا رجع هذا العبد من هذا المقام إلى عالم نفسه عالم المواد

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 234
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست