responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 217



و انفصال لانفصال و استناد لاستناد
و بياض لبياض و سواد لسواد
و بقاء لبقاء و نفاد لنفاد
و اقتراب لاقتراب و بعاد لبعاد
و سرير لاستواء و سماء لمهاد
و حجاب لبغيض و تجل لوداد
و محل قد تهيأ كل وقت لازدياد
و عذاب في نعيم لمريد و مراد
من علوم بأمور علمها عين الرشاد
يقطعان الليل ذكرا بسجود و اجتهاد
يسألان اللّٰه أمنا يوم إسماع المنادي
و لما رجح اللّٰه وجود الممكنات على عدمها لطلبها الترجيح من ذاتها كان ذلك انقيادا من الحق لهذا الطلب الإمكانى و امتنانا فإنه تعالى الغني عن العالمين و لكن لما وصف نفسه بأنه يحب أن تعرفه الممكنات بأنه لا يعرف و من شأن المحب الانقياد للمحبوب فما انقاد في الحقيقة إلا لنفسه و الممكن حجاب على هذا الطلب الإلهي الذي طلبه حب العرفان به من نفسه و تبعه ما طلبه الممكن من ترجيح الوجود على عدمه فلما أوجده عرفه إنه ربه فعرفه أنه ربه ما عرف منه غير ذلك و لا يتمكن لغير اللّٰه أن يعرف اللّٰه من حيث ما يعرف اللّٰه نفسه ثم طلبه بالانقياد إليه فيما يأمره به و ينهاه عنه فقال الممكن هذا مقام صعب لا أقدر عليه كما إنك يا رب ما يبدل القول لديك و لا يكون عنك إلا ما سبق به علمك فمشيئتك واحدة و الاختيار المنسوب إلي منك فالذي تقبله ذاتي من الانقياد إليك أن أكون لك حيث تريد لا حيث تأمر إلا إن وافق أمرك إرادتك فحينئذ أجمع بينهما و أكثر من هذا فما تعطي حقيقتي إذا نسبتها إليك أنت القائل أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذٰابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّٰارِ و هو أكرم المكلفين عليك و هذا الحكم منك و عليك يعود فما كان انقيادك إلا إليك و أنا صورة مماثلة للمحجوبين الذين لا يعرفونك معرفتي فيقولون قد أجاب الحق سؤالنا و انقاد إلينا فيما نريده منه و أنت ما أجبت إلا نفسك و ما تعلقت به إرادتك فانقيادي أنا لنفسي فإنه لا يتمكن أن أطلبك لك و إنما أطلبك لنفسي فلنفسي كان انقيادي لما دعوتني و جعلت حجابا بيني و بين المحجوبين من خلقك الذين لا يعرفون فقالوا فلان أجاب أمر ربه حين دعاه و ما علموا إن الانقياد مني إنما كان لإرادتك لا لأمرك فإنه ما يبدل الحكم لدي فإني ما أقبل غير هذا قبول ذات و فيه سعادتي ثم إنك سبحانك نسبت لي ذلك و أثنيت علي به و أنت تعلم كيف كان الأمر فظهرت بأمر تشهد الحقيقة بخلافه فقلت لاٰ يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ و الحقيقة من خلف هذا الثناء تنادي لا يعصون اللّٰه ما أراد منهم و قرن الأمر منه بإرادته فذلك هو الأمر الذي لا يعصيه مخلوق و هو قوله إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ هذا هو الأمر الذي لا يمكن للممكن المأمور به مخالفته لا الأمر بالأفعال و التروك يعرف ذلك العارفون من عبادك ذوقا و شهودا فإن أمرت الفعل المأمور به أن يتكون في هذا العبد المأمور بالفعل تكون فتقول هذا عبد طائع امتثل أمري و ما بيده من ذلك شيء فالصمت حكم و قليل فاعله فمن تكلم بالله كانت الحجة له فإن الحجة البالغة لله و من تكلم بنفسه كان محجوبا كما إن الحق إذا تكلم بعبده كان كلامه ظاهرا بحيث يقتضيه مقام عبده فإذا رد الجواب عليه عبده به لا بنفسه و ظهر حكمه على كلام ربه نادى الحق عليه وَ كٰانَ الْإِنْسٰانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً و إن قال الحق و لكن ما كل حق يحمد و لا كل ما ليس بحق يذم فالأدباء يعرفون المواطن التي يحمد فيها الحق فيأتون به فيها و يعرفون المواطن التي يحمد فيها ما ليس بحق فيأتون به فيها مغالطة جزاء وفاقا إلهيا فمن عرف الانقياد الإلهي و الكوني كما قررناه كان من العارفين و لكن فيه أسرار و آداب ينبغي للإنسان إذا تكلم في هذا المقام و أمثاله أن لا يغفل عن دقائقه فإن فيه مكرا خفيا لا يشعر به إلا أهل العناية و من أراد العصمة من ذلك فلينظر إلى ما شرع اللّٰه له و أتى على ألسنة رسله فيمشي معه حيث مشى و يقف عنده حيث وقف من غير مزيد و إن تناقضت الأمور و تصادمت فذلك له لا لك و قل لا أدري هكذا جاء الأمر من عنده و ارجع إليه وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فهذا قد أنبأ عن المقام الأول

«وصل»

و أما المقام الثاني الذي بيد اسمه المؤمن فإنه نتيجة عن الاسم المؤمن الكياني و هو المظهر له إذا كان بمعنى المصدق لا بمعنى معطي الأمان فإن كان بمعنى معطي الأمان فالاسم الإلهي المؤمن متقدم على المؤمن الكياني فأعطاه الأمان في حال عدمه إنه لا يعدمه إذا أوجده و لا يحول بينه و بين

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 217
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست