responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 182

مقال من قال إن المسيح ابن اللّٰه و عزير ابن اللّٰه : و الكفاءة المثل و المرأة لا تماثل الرجل أبدا فإن اللّٰه يقول وَ لِلرِّجٰالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ فليست له بكفو فإن المنفعل ما هو كفو لفاعله و العالم منفعل عن اللّٰه فما هو كفو لله و حواء منفعلة عن آدم فله عليها درجة الفاعلية فليست له بكفو من هذا الوجه و لما قال إنه للرجال عليهن درجة لم يجعل عيسى ع منفعلا عن مريم حتى لا يكون الرجل منفعلا عن المرأة كما كانت حواء عن آدم فَتَمَثَّلَ لَهٰا جبريل أو الملك بَشَراً سَوِيًّا و قال لها أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاٰماً زَكِيًّا فوهبها عيسى ع فكان انفعال عيسى عن الملك الممثل في صورة الرجل و لذلك خرج على صورة أبيه ذكرا بشرا روحا فجمع بين الصورتين التين كان عليهما أبوه الذي هو الملك فإنه روح من حيث عينه بشر من حيث تمثله في صورة البشر فسمى هذه السورة سورة الإخلاص أي خلص الحق للعالم من التنزيه الذي يبرهن عليه العقل و خلصه من العالم بمجموع هذه الصفات في عين واحدة و هي أعني هذه الصفات مفرقة في العالم لا يجمعها عين واحد فإن آدم ع أكمل صورة ظهرت في العالم و مع هذا نقصه لَمْ يَلِدْ فإنه أحد صمد لَمْ يُولَدْ و لم تكن له حواء كفوا فخلصت هذه السورة الحق من التشبيه كما خلصته من التنزيه فإذا فهمت ما أشرنا إليه

[إن سر الإخلاص هو سر القدر الذي أخفى اللّٰه علمه عن العالم]

فاعلم إن سر الإخلاص هو سر القدر الذي أخفى اللّٰه علمه عن العالم لا بل عن أكثر العالم فميز الأشياء بحدودها فهذا معنى سر القدر فإنه التوقيف عينه و به تميزت الأشياء و به تميز الخالق من المخلوق و المحدث من القديم فتميز المحدث بنعت ثابت يعلم و يشهد و ما تميز القديم من المحدث بنعت ثبوتي يعلم بل تميز بسلب ما تميز به المحدث عنه لا غير فهو المعلوم سبحانه المجهول فلا يعلم إلا هو و لا يجهل إلا هو فسبحان من كان العلم به عين الجهل به و كان الجهل به عين العلم به و أعظم من هذا التمييز لا يكون و لا أوضح منه لمن عقل و استبصر و أما الإخلاص في الدين فهو الجزاء الوفاق فما ثم الأجزاء وفاق لا ينقص و لا يزيد فإن اللّٰه جعله جَزٰاءً وِفٰاقاً إنباء عن حقيقة لأن المجازي لا يمكن أن يقبل ما لا يعطيه استعداده و باستعداده قبل ما ظهر عليه من الدين الذي يطلب الجزاء فيه بعينه أعني الاستعداد قبل الجزاء فكان الجزاء وفاقا و الجزاء ما هو إلا للعمل و لا يأخذه العامل إلا من عمله و لهذا قيل إن في الجنة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و هو الصحيح فإنه يصدر من العاملين عمل من غير قصد ما رأته عينه و لا سمعته أذنه و لا خطر على قلبه إلا عند ما ظهر منه رأته عينه عند ذلك و خطر له كما يرى ما في الجنة مما لم يره في الدنيا و لا سمع به و لا خطر على قلبه فذلك هو الجزاء الوفاق لهذا النوع من العمل و هذا العمل هو من قوله تعالى وَ نُنْشِئَكُمْ فِي مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ فأظهره في منزل لا يعلمه من جهة فكره و لا رأته عينه و لا سمعته أذنه إنه يقام فيه فيكون جزاؤه ما ذكره في الجنة مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر فخلص الجزاء لهذا العمل بصفة الوفاق و هذا من سر القدر و لما كان الدين هو عمل الخير و الدين العادة

ذكر ع إن الخير عادة و هذا الذكر بشارة من عالم بالأمور و هو الرسول ص بأن النفس خيرة بالذات و ما تقبل الشر إلا لجاجة من القرين بما يلج عليها به فلم يجعل الشر من ذاتها

فقال ص الخير عادة و الشر لجاجة و لما ألح القرين على النفس و لج بالشر الذي هو عين مخالفة أمر اللّٰه و نهيه و ضاقت منافسها من هذا الإلحاح و اللجاج أوحى اللّٰه إليها بل كلمها من الوجه الخاص الذي لا يعرفه الملك بأن تقبل منه ما ألح عليها به من الشر فرأى الحق فيها استيحاشا و خوفا من المكر الإلهي فأشهدها حضرة التبديل و أشهدها مال المكلفين إلى الرحمة و تلا عليها يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ و تلا عليها في المسرفين لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فأزال وحشتها و قبلت من القرين الشر الذي جاء به إليها فسر بما وقع منها من القبول لجهله بعموم الرحمة و عموم العفو و المغفرة و إن اللّٰه ما جعل العفو إلا لهذا الصنف الذي يتلقى من الشيطان القرين ما جاء به من الشر و ما علم إن اللّٰه قد جعل النفس في قبولها شر القرين باللجاج و الإلحاح منزلة المكره و المكره غير مؤاخذ فسمى الشر لجاجة بشارة إلهية لا يشعر بها كل أحد و جعل الخير عادة فإن النفس بالذات خيرة لأن أباها الروح القدسي الطاهر فطبعها الخير لا غيره و أمها هذه الصورة المسواة من هذه الأخلاط فأول قبول ظهر فيها قبول السواء و العدل و هو قوله فَسَوّٰاكَ فَعَدَلَكَ و قبول العدل عين الخير و قبلت بالأصالة هذه النشأة مجاورة الأضداد و هي الأخلاط و من عادة الضد المنافرة عن ضده و لم يوجد هنا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 182
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست