responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 161

من تنسب إليه فلذلك قلنا فيه إنه أم الكتاب الذي عنه خرجت الكتب المنزلة و اختلفت الألسنة به لقبوله إياها بحقيقته فقيل فيه إنه عربي و إنه عبراني و إنه سرياني بحسب اللسان الذي أنزل به و هذا هو عين الجعل في القرآن و عين نسبة الحدوث إليه في قوله مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فهو محدث الإتيان و ما هو الإتيان عين الإنزال كما أنه ليس بعين الجعل و الجعل يكون بمعنى الخلق و بغيره فما ينسب إلى القرآن من قوله محدث فهو من حكم الجعل الذي بمعنى الخلق فلا فرق بين قوله ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ و بين قوله إِنّٰا جَعَلْنٰاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا في الحكم

[أن تحقيق عندية كل شيء راجعة إلى نفسه]

و اعلم أن تحقيق عندية كل شيء راجعة إلى نفسه و لهذا قال مٰا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ فإن حكمكم النفاد وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ بٰاقٍ فإنه له البقاء فلو كانت عندية الشيء غير نفس الشيء ما نفد ما عندنا لأنا و ما عندنا عند اللّٰه وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ بٰاقٍ فنحن و ما عندنا باق فتبين لك أن عندية كل شيء نفسه و العندية في اللسان ظرف مكان أو ظرف محلي كالجسم للعرض اللوني الذي يدركه البصر فهو أجلي فيما ترومه من الدلالة فهو بحيث محله و صاحب المكان ما هو بحيث المكان و العندية جامعة للأمرين و لما لم يمكن في التقليد الضروري أن يجحد أحد من استند إليه في وجوده لذلك أقر به من من شأنه الإنكار و الجحود فإن قلت فالمعطلة أنكرت قلنا المعطلة ما أنكرت مستندا و إنما أنكرت و عطلت الذي عينتموه أنتم إنه المستند ما عطلت المستند فقلتم أنتم هو كذا فعطلته المعطلة و قالت بل المستند كذا فكما إن أولئك معطلة أنتم أيضا معطلة تعطيلهم لكن اختص أولئك باسم المعطلة و هم على ضروب في التعطيل محل العلم بذلك و أمثاله العلم بالنحل و الملل و هو علم لا ينبغي للمؤمن أن يقرأه و لا ينظر فيه جملة كما يتعين على أهل اللّٰه أن يعرفوا علم كل نحلة و ملة بالله ليشهدوه في كل صورة فلا يقومون في موطن إنكار لأنه تعالى سار في الوجود فما أنكره إلا محدود و أهل اللّٰه تابعون لمن هم له أهل فيجري عليهم حكمه و حكمه تعالى عدم التقييد فله عموم الوجود فلأهله عموم الشهود فمن قيد وجوده قيد شهوده و ليس هو من أهل اللّٰه

[أن اللّٰه وصف نفسه بالاستواء و بالنزول إلى السماء]

و اعلم أن اللّٰه لما مهد هذه الخليقة جعلها أرضا له فوصف نفسه بالاستواء و بالنزول إلى السماء و بالتصرف في كل وجهة الكون موليها فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ فإنه لا يرفع حكم إن وجه اللّٰه حيثما توليت و لكن اللّٰه اختار لك ما لك في التوجه إليه سعادتك و لكن في حال مخصوص و هي الصلاة و سائر الأينيات ما جعل اللّٰه لك فيها هذا التقييد فجمع لك بين التقييد و الإطلاق كما جمع لنفسه بين التنزيه و التشبيه فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فالعالم كله أرض ممهدة لاٰ تَرىٰ فِيهٰا عِوَجاً وَ لاٰ أَمْتاً هل ترى من تفاوت فَارْجِعِ الْبَصَرَ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ و الحق صفة العالم لأن صفته الوجود و ليس إلا لله و لذلك

ورد في الخبر الصحيح كنت سمعه و بصره و هكذا جميع قواه و صفاته فلما كان العالم ظرفا مكانيا لمن استوى عليه ظهر بصورته سئل الجنيد عن المعرفة و العارف فقال لون الماء لون إنائه فجعل الأثر للظرف في المظروف و ذلك لتعلم من عرفت فتعلم أنك ما حكمت على معروفك إلا بك فما عرفت سواك فأي لون كان للإناء ظهر الماء للبصر بحسب لون الإناء فحكم من لا علم له بأنه كذا لأن البصر أعطاه ذلك فله التجلي في كل صورة من صور الأواني من حيث ألوانها فلم يتقيد في ذاته الماء و لكن هكذا تراه و كذلك تؤثر فيه أشكال الظروف التي يظهر فيها و هو ماء فيها كلها فإن كان الوعاء مربعا طهر في صورة التربيع أو مخمسا ظهر في صورة التخميس أو مستديرا ظهر في صورة الاستدارة لأن له السيلان فهو يسرى في زوايا الأوعية ليظهر تشكلها فهو الذي حمل الناظرين لسريانه إن يحكموا عليه بحكم الأوعية في اللون و الشكل فمن لم يره قط إلا في وعاء حكم عليه بحكم الوعاء و من رآه بسيطا غير مركب علم إن ما ظهر فيه من الأشكال و الألوان إنما هو من أثر الأوعية فهو في الأوعية كما هو في غير وعاء بحده و حقيقته و لهذا ما زال عنه اسم الماء فإنه يدل عليه بحكم المطابقة فهذه الأوعية له كالسبل في الأرض للسالك فيها فينسب السالك في كل سبيل منها إلى أنه طالب غاية ذلك السبيل الذي سلك عليه فِي أَيِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ رَكَّبَكَ من صوره فيكون هو الظاهر لا أنت لأن الظهور للصور لا للعين فالعين غيب أبدا و الصور شهادة أبدا

[إن اللّٰه بين أن في أرض العالم نجدين]

ثم إنه لما خلق من كل شيء زوجين : بين لنا أن في أرض العالم نجدين نجدا تكون غايته أنت عند قوم و نجد عند هؤلاء القوم يكون غايته هو أعني الحق و أما عند قوم آخرين

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 161
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست