responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 148

فالمال إلى الرحمة لأجل البسملة فهي بشرى و أما سورة التوبة على من يجعلها سورة على حدة منفصلة عن سورة الأنفال فسماها سورة التوبة و هو الرجعة الإلهية على العباد بالرحمة و العطف فإنه قال للمسرفين على أنفسهم و لم يخص مسرفا من مسرف يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فلو قال إن الرحمن لم يعذب أحدا من المسرفين فلما جاء بالاسم اللّٰه قد تكون المغفرة قبل الأخذ و قد تكون بعد الأخذ و لذلك ختم الآية بقوله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فجاء بالرحيم آخرا أي مآلهم و إن أوخذوا إلى الرحمة و إن الرجعة الإلهية لا تكون إلا بالرحمة لا يرجع على عباده بغيرها فإن كانت الرجعة في الدنيا ردهم بها إليه و هو قوله ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا و إن كانت في الآخرة فتكون رجعتهم مقدمة على رجعته لأن الموطن يقتضي ذلك فإن كل من حضر من الخلق في ذلك المشهد سقط في يديه و رجع بالضرورة إلى ربه فيرجع اللّٰه إليهم و عليهم فمنهم من يرجع اللّٰه عليه بالرحمة في القيامة و منازلها و منهم من يرجع عليه بالرحمة بعد دخول النار و ذلك بحسب ما تعطيه الأحوال و يقع به الشهود و الأمر في ذلك كله حسي و معنوي فإن العالم كله حرف جاء لمعنى معناه اللّٰه ليظهر فيه أحكامه إذ لا يكون في نفسه محلا لظهور أحكامه فلا يزال المعنى مرتبطا بالحرف فلا يزال اللّٰه مع العالم قال تعالى وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ فالداخل إلى هذا المنزل في أول قدم يضعه فيه يحصل له من اللّٰه تسعة و تسعون تجليا مائة إلا واحدا تتقدم إليه منها تسعة يرى فيها صورته فيعلم حقيقته ثم بعد ذلك يقام في التسعين فيرى ما لم يكن يعلم من حضرة جمع و منعة و علو عن المقاوم فينزل الحق إليه معلما له علما من لدنه و قد تقدمت الرحمة له عند دخوله و هذا منزل خضر صاحب موسى ع

[أن أهلية الشيء لأمر ما أنما هو نعت ذاتي]

و اعلم أن أهلية الشيء لأمر ما أنما هو نعت ذاتي فلا يقع فيها مشاركة لغيره إلا بنسبة بعيدة إذا حققتها لم تثبت و زلت قدمك فيها

كما قال ص في الصحيح أما أهل النار الذين هم أهلها و هم الذين لا يخرجون منها رأسا لأنهم أهلها فإنهم لا يموتون فيها و لا يحيون فجعل نعتهم نفي الحياة و الموت ثم استدرك نعت من دخلها و ما هو بأهلها

فقال و لكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم اللّٰه فيها إماتة فنعتهم بالموت و هو خلاف نعت من هو لها أهل ثم ذكر خروج هؤلاء من النار فتنبه لكون الحق أنطق العالم كله بالتسبيح بحمده و التسبيح تنزيه ما هو ثناء بأمر ثبوتي لأنه لا يثنى عليه إلا بما هو أهل له و ما هو له لا يقع فيه المشاركة و ما أثنى عليه إلا بأسمائه و ما من اسم له سبحانه عندنا معلوم إلا و للعبد التخلق به و الاتصاف به على قدر ما ينبغي له فلما لم يتمكن في العالم أن يثنى عليه بما هو أهله جعل الثناء عليه تسبيحا من كل شيء و لهذا أضاف الحمد إليه فقال يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أي بالثناء الذي يستحقه و هو أهله و ليس إلا التسبيح فإنه سبحانه يقول سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ و العزة المنع من الوصول إليه بشيء من الثناء عليه الذي لا يكون الإله عما يصفون و كل مثن واصف فذكر سبحانه تسبيحه في كل حال و من كل عين فقال تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰاوٰاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ و ما ثم إلا هؤلاء و قال آمرا لمحمد عند انقضاء رسالته و ما شرع له أن يشرع من الثناء عليه فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ فقال أنت كما أثنيت على نفسك هذا هو التسبيح بحمده فلما كان الأمر بالثناء على اللّٰه على ما قررناه لم يتمكن لنا أن نستنبط له ثناء و إنما نذكره بما ذكر عن نفسه فيما أنزله في كتبه على حد ما يعلمه هو لا على حد ما نفهمه نحن فنكون في الثناء عليه حاكين تالين لأن الثناء على المثنى عليه مجهول الذات لا يقبل الحدود و الرسوم و لا يدخل تحت الكيفية و لا يعرف كما هو عليه في نفسه و هو الغني عن العالمين فلا تدل على المعرفة به الدلالات و إنما تدل على استنادنا إليه من حيث لا يشبهنا أو لا يقبل وصفنا و ما من اسم إلهي إلا و نتصف به فما تلك هي المعرفة المقصودة التي يعلم بها نفسه فشرع التسبيح و فطر عليه كل شيء و هو نفي عن كل وصف لا إثبات و لهذا بعض أهل النظر تنهوا إلى شيء من هذا و إن كان العلماء لم يرتضوا ما ذهبوا إليه و لكن هو حق في نفس الأمر من وجه ما مليح و ذلك أنهم رأوا أن المشاركة بين المحدث و اللّٰه لا تصح حتى في إطلاق الألفاظ عليه فإذا قيل لهم اللّٰه موجود يقولون ليس بمعدوم فإن المحدث موصوف بالوجود و لا مشاركة فإذا قيل لهم اللّٰه حي يقولون ليس بميت اللّٰه عالم يقولون ليس بجاهل اللّٰه قادر يقولون ليس بعاجز اللّٰه مريد يقولون ليس بقاصر فأتوا بلفظة النفي و التسبيح تنزيه و نفي لا إثبات فجروا على الأصل الذي نطق اللّٰه به كل شيء فسلكوا مسلكا غريبا بين النظار

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 148
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست