responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 133

هذا القول إن جوزي بقوله فإنه لا يرى اللّٰه أبدا كما لا يعلمه أبدا و إن لم يجازه اللّٰه بقوله و بدا له من اللّٰه ما لم يكن يحتسب :

و علم منه في ثاني حال خلاف ما كان يعلمه فإنه يراه و يعلم أنه هو و الصحيح أنه يعلم و يرى فإن اللّٰه تعالى خلق المعرفة المحدثة به لكمال مرتبة العرفان و مرتبة الوجود و لا يكمل ذلك إلا بتعلق العلم المحدث بالله على صورة ما تعلق به العلم القديم و ما تعلق القديم بالعجز عن العلم به كذلك العلم المحدث به ما تعلق إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه و الذي هو عليه في نفسه إنه عين كل صورة فهو كل صورة فما وقع العجز من هذا العبد إلا في كونه قصره على صورة واحدة و هي صورة معتقده و هو عين صورة معتقده فما عجز إلا عن الحكم عليه بما ينبغي له و لا يتصف بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم من دليل عقله و أما من أخذ العلم به من اللّٰه لا من دليله و نظره فهذا لا يعجز عن حصول العلم بالله فإنه ما حاول أمرا يعجز عنه فيعترف بالعجز عنه و ليس هذا الذي يطلبه بنظره في دليل عقله و علمه من طريق التعريف و التجلي الذي هو علم موهوب من حكيم حميد فالقائل سبحان من لا يعرف إلا بالعجز عن المعرفة به صاحب علم نظر لا صاحب تعريف إلهي و أما العجز عن إحصاء الثناء عليه فهذا قول كامل محقق فإنه لا يكون العجز عن إحصاء الثناء عليه إلا بعد العلم بالمثنى عليه ما هو فيعلم أنه أعظم من أن يحيط به ثناء و يبلغ فيه وصف منتهاه كما قيل في بعض المخلوقات

إذا نحن أثنينا عليك بصالح فأنت الذي نثني و فوق الذي نثني
هذا قول في مخلوق و هو قول محقق فكيف الثناء على اللّٰه سبحانه و إنما حققنا قول هذا الشاعر في هذا المخلوق مع ما يتخيل العقل بنظره إن الإحاطة بالثناء على المخلوق ممكنة و ليس الأمر في نفسه كذلك و إنما هذا الشاعر قال حقا إما مصادفة إما عن تحقق له و ذلك في قوله فأنت الذي نثني و هو ما هو عليه ذلك الممدوح في الوقت و فوق الذي نثني فإنه محل قابل لما يخلق اللّٰه فيه من النعوت التي يخلق فيه فيثني عليه بها و هذا النعوت فيه لا نهاية لها أي لما يكون عنها مما يوجب الثناء بها على الممدوح و إذا كان هذا الثناء على الحق تعالى فلها البقاء في الوجود لذاتها لا تقبل العدم و الثناء منا عليه دائم بتجدد لأنه في كل نفس فينا يتجدد علينا علم بالله فنثني عليه به أو علم بأمر ما لم يكن عندنا فنثني عليه به و نحن ما ننشد هذا البيت كما قاله صاحبه و إنما ننشده على ما قلناه و أعطانا ذلك العلم به فنقول

إذا نحن أثنينا عليك بصالح فأنت الذي تثني و لسنا الذي نثني
و هذا فوق ما قاله الشاعر من وجه و مساو له من وجه سواء قال ذلك عن علم محقق أو مصادفة و هو لا يعلم فنطقه اللّٰه تعالى بالحق من حيث لا يشعر كما أنه يستدرج العبد من حيث لا يعلم و يمكر به من حيث لا يشعر و الحق معلوم معروف في نفسه و العالم به عاجز عن إحصاء الثناء عليه كما ينبغي له فإنه ليس في الوسع حصول ذلك و لا يعطيه استعداد ممكن أصلا فهذا ما أعطاه مؤاخاة الاستعدادات و الأسماء الإلهية و هذه أعلى أخوة يوصل إليها ثم ينزل إلى أخوة دونها و هي قوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ

[إن المؤمن من أسمائه الحسنى]

و من أسمائه المؤمن و قد وقع النزاع بينهم بما أخبر به عن نفسه أنه كذا فنازعه المؤمن من المخلوقين الذي اجتمع معه في الايمان فكانت له إخوة معه بهذا الايمان بنظره في دليله العقلي أنه على خلاف ما أخبر به عن نفسه مع كونه مصدقا له لكنه تأول عليه فلما ظهرت هذه المنازعة بين المؤمن الحق و المؤمن الخلق قال اللّٰه لعلماء الكشف أصلحوا بين أخويكم فدخل المؤمنون العالمون المكاشفون بينهما بالصلح و ذلك أن يكون المؤمن الحق مع هذا المؤمن أخيه حتى يبلغه قوته لأنه مخلوق على كل حال و ما أعطيته الكشف الكامل و لا ظهرت إليه به فليكن معه بحيث يعطيه منزلته فيقول المؤمن الحق للمبلغ عنه قل لهذا المنازع إني أنا اللّٰه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ و إني منزه عن وصف الواصفين فجاء الرسول بالتوقيع الإلهي إلى هذا المؤمن المنازع بقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و بقوله سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ و أشباه هذا النوع من التنزيه الذي يعطيه دليل العقل النظري فإذا سمع هذا منه طاب قلبه و جنح إليه و زال نزاعه و جاء العلماء إلى المؤمن الخلق في المصالحة من هذا الجانب و قالوا له أنت تعلم أن المؤمن الحق اعلم بنفسه منك به لا بل اعلم بك من علمك بنفسك و إنك إنما تحكم عليه بما هو خلق له مثلك و هو عقلك و فكرك و دليلك فلا فرق بينك و بين كل مخلوق في العجز عما لا يعجز عنه المؤمن الحق فقف معه في موضع التسليم فإنه و إن كان مؤمنا و أنت مؤمن فأنت على مرتبتك التي تليق بك و هو على مرتبته التي تليق به و أنت تعلم أنك لست مثله و إن جمعكما الايمان فليس نسبته إليه مثل

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 133
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست