responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 130

عليه بحكمه و أما إذا أتاه القرآن من ربه فإنه القرآن المقيد بالصفات التي ذكرناها فيتلقاه أيضا هذا العبد كما تلقاه من الرحمن بأهل و سهل و مرحب و يجعل قلبه عرشا له من حيث تلك الصفة المعينة فيكسوه القرآن صفة ما جاء به من عظمة أو مجد أو كرم فظهرت صورة القرآن في مرآة هذا القلب فوصف القلب بما وصف به القرآن فإن كان نزوله بصفة العظمة أثر في القلب هيبة و جلالا و حياء و مراقبة و حضورا و إخباتا و انكسارا و ذلة و افتقارا و انقباضا و حفظا و مراعاة و تعظيما لشعائر اللّٰه و انصبغ القرآن كله عنده بهذه الصفة فأورثه ذلك عظمة عند اللّٰه و عند أهل اللّٰه و لم يجهل أحد من المخلوقات عظمة هذا الشخص إلا بعض الثقلين لأنهم ما سمعوا نداء الحق عليه بالتعريف و

قد ورد عن رسول اللّٰه ص أنه قال إذا أحب اللّٰه عبدا قال لجبريل إني أحب فلانا فيحبه جبريل ثم يأمره أن يعلم بذلك أهل السماء فيقول ألا إن اللّٰه تعالى قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء كلهم ثم يوضع له القبول في الأرض و لكن عند من و أين كان قتلة الأنبياء من هذا القبول أخبرنا صاحبنا موسى السدراني و كان صاحب خطوة محمولا قال لما وصلت إلى جبل قاف و هو جبل عظيم طوق اللّٰه به الأرض و طوق هذا الجبل بحية عظيمة قد جمع اللّٰه رأسها إلى ذنبها بعد استدارتها بهذا الجبل قال موسى فاستعظمت خلقها قال فقال لي صاحبي الذي كان يحملني سلم عليها فإنها ترد عليك قال ففعلت فردت السلام و قالت كيف حال الشيخ أبي مدين فقلت لها و أنى لك بالعلم بهذا الشيخ فقالت و هل على وجه الأرض أحد يجهل الشيخ أبا مدين فقلت لها كثير يستخفونه و يجهلونه و يكفرونه فقالت عجبا لبني آدم إن اللّٰه مذ أنزل محبته إلى من في الأرض و إلى الأرض عرفته جميع البقاع و الحيوانات و عرفته أنا في جملة من عرفه فما تخيلت أن أحدا من أهل الأرض يبغضه و لا يجهل قدره كما هم أهل السماء في حق من أحبه اللّٰه فلما سمعت منه هذه الحكاية قلت أين هذا الأمر من كتاب اللّٰه قال لا أدري قلت له لما خلق اللّٰه آدم الإنسان الكامل على الصورة أعطاه حكمها في العالم حتى تصح النسبة و النسب فقال تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ فأطلق وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبٰالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ فعم الأمهات و المولدات و ما ترك شيئا من أصناف المخلوقات فلما وصل بالتفصيل إلى ذكر الناس قال وَ كَثِيرٌ مِنَ النّٰاسِ و لم يقل كلهم فجعل عبده الصالح المحبوب في الحكم على صورته فأحبه بحب اللّٰه جميع من في السموات و من في الأرض على هذا التفصيل و كثير من الناس لا كلهم فكفروه كما كفروا بالله و شتموه كما شتموا اللّٰه تعالى و كذبوه كما كذبوا اللّٰه و

قد ورد في الحديث الصحيح الإلهي أن اللّٰه يقول كذبني ابن آدم و لم يكن ينبغي له ذلك و شتمني ابن آدم و لم يكن ينبغي له ذلك الحديث فإذا وجد الإنسان من نفسه هذه الصفة التي ذكرناها عند التلاوة أو استحضار القرآن علم إن القرآن العظيم أتاه من ربه في ذلك الوقت و إذا جلى اللّٰه له سبحانه و كشف له عن شرف نفسه بخلقه على صورة ربه و ما أعطاه اللّٰه من ظهوره بالأسماء الإلهية و ما فضله اللّٰه به من حيث إنه جعله العين المقصودة و وسع قلبه حتى وسع علما بما تجلى له و كشف له عن منزلته عنده و قبوله لزيادة العلم به دائما و تأهله للترقي في ذلك إلى غير نهاية دنيا و آخرة و ما سخر في حقه مما في السموات و ما في الأرض جميعا و نظر إلى نظر كل جزء من العالم إليه بعين التعظيم و الشغوف عليه و رأى كل العالم في خدمته كما هو في تسبيح ربه لظهوره عندهم في صورة ربه و يظهر هذا كله لهذا الشخص عند التلاوة للقرآن لا غير علم عند ذلك أنه يتلو القرآن المجيد و أنه الذي نزل عليه و أتاه من ربه و لهذا كشف له منزولة شرفه و مجده فاستوى مجيد على مجيد و إذا جلى اللّٰه له سبحانه و كشف له عن كرم نفسه بما يؤثر به على نفسه مع وجود الحاجة لما آثر به و سعى في قضاء حوائج الناس من مؤمن و غير مؤمن و نظر جميع العالم بعين الرحمة فرحمه و لم يخص بذلك شخصا من شخص و لا عالما من عالم بل بذل الوسع في إيصال الرحمة إليهم و قبل أعذارهم و تحمل أعباءهم و جهلهم و إذا هم و جازاهم بالإساءة إحسانا و بالذنب عفوا و عن الإساءة تجاوزا و سعى في كل ما فيه راحة لمن سعى له و ذلك كله في حال تلاوته علم قطعا أنه يتلو القرآن الكريم فإن هذه صفته و أنه القرآن الذي أتاه من ربه و أن اللّٰه يعامله بمثل ما عامل به و أعظم ما يتكرم به العبد ما يتكرم به على الحق بطاعته و امتثال أمره فإن اللّٰه يفرح بتوبة عبده فإذا تكرم على اللّٰه بمثل هذا فقد أغاظ عدو اللّٰه و هذا أعظم الكرم فإن الأخلاق المحمودة لا تحصل للعبد إلا بهذا الطريق الذي

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 130
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست