responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 128

عليها في نزوله إذ أنزل و بحسب ما يكون عليه القلب المتخذ عرشا لاستواء القرآن عليه من الصفة يظهر القرآن بتلك الصفة في نزوله و ذلك في حق بعض التالين و في حق بعضهم تكون الصفة للقرآن فيظهر عرش القلب بها عند نزوله عليه سئل الجنيد رضي اللّٰه عنه عن المعرفة و العارف فقال لون الماء لون إنائه و لو سئل عارف عن القرآن و القلب المنزل عليه لأجاب بمثل هذا الجواب

[القرآن المطلق للعرش المطلق]

و اعلم أن اللّٰه نعت العرش بما نعت به القرآن فجاء القرآن مطلقا من غير تقييد و جاء ذكر العرش مطلقا من غير تقييد فالقرآن المطلق للعرش المطلق أو العرش المطلق للقرآن المطلق بحسب ما يقع به الشهود من المؤثر و المؤثر فيه و العرش المقيد بما قيد به القرآن فقرآن عظيم لعرش عظيم و قرآن كريم لعرش كريم و قرآن مجيد لعرش مجيد فكل قرآن مستو على عرشه بالصفة الجامعة بينهما فلكل قلب قرآن من حيث صفته مجدد الإنزال لا مجدد العين و الدرجات الرفيعة لذي العرش كالآيات و السور للقرآن فأما القرآن المطلق فمثل قوله شَهْرُ رَمَضٰانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ و العرش المطلق في قوله رَفِيعُ الدَّرَجٰاتِ ذُو الْعَرْشِ فالقلب ترتفع درجاته بارتفاع درج آيات القرآن و لهذا

يقال لقارئ القرآن يوم القيامة اقرأ و ارق كما كنت تقرأ و ينتهي بالرقي إلى آخر آية ينتهي إليها بالقراءة و الدرجات عين المنازل فإذا نزل القرآن على قلب عبد و ظهر فيه حكمه و استوى عليه بجميع ما هو عليه مطلقا و كان خلقا لهذا القلب كان ذلك القلب عرشا له

سألت عائشة عن خلق رسول اللّٰه ص فقالت كان خلقه القرآن فما من آية في القرآن إلا و لها حكم في قلب هذا العبد لأن القرآن لهذا نزل ليحكم لا ليحكم عليه فكان عرشا له مطلقا

كان رسول اللّٰه ص في تلاوته القرآن إذا مر بآية نعيم حكمت عليه بأن يسأل اللّٰه من فضله فكان يسأل اللّٰه من فضله و إذا مر بآية عذاب و وعيد حكمت عليه بالاستعاذة فكان يستعيذ و إذا مر بآية تعظيم لله حكمت عليه بأن يعظم اللّٰه و يسبحه بالنوع الذي أعطته تلك الآية من الثناء على اللّٰه و إذا مر بآية قصص و ما مضى من الحكم الإلهي في القرون قبله حكمت عليه بالاعتبار فكان يعتبر و إذا مر بآية حكم حكمت عليه إن يقيم في نفسه من يوجه عليه ذلك الحكم فيحكم عليه به فكان يفعل ذلك و هذا هو عين التدبر لآيات القرآن و الفهم فيه و متى لم يكن التالي حاله في تلاوته كما ذكرنا فما نزل على قلبه القرآن و لا كان عرشا لاستوائه لأنه ما استوى عليه بهذه الأحكام و كان نزول هذا القرآن أحرفا ممثلة في خياله كانت حصلت له من ألفاظ معلمه إن كان أخذه عن تلقين أو من حروف كتابته إن كان أخذه عن كتابة فإذا أحضر تلك الحروف في خياله و نظر إليها بعين خياله ترجم اللسان عنها فتلاها من غير تدبر و لا استبصار بل لبقاء تلك الحروف في حضرة خياله و له أجر الترجمة لا أجر القرآن و لم ينزل على قلبه منه شيء كما

قال رسول اللّٰه ص في حق قوم من حفاظ حروف القرآن يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم أي ينزل من الخيال الذي في مقدم الدماغ إلى اللسان فيترجم به و لا يجاوز حنجرته إلى القلب الذي في صدره فلم يصل إلى قلبه منه شيء و

قال فيهم إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا ترى فيه أثرا من دم الرمية و كلامنا ليس هو مع من هذه صفته من التالين و ليس التالي إلا من تلاه عن قلبه و القرآن صفة ربه و صفة ذاته و القلب المؤمن به التقى الورع قد وسعه فهذا هو العرش الذي وسع استواء الحق الذي هو رَفِيعُ الدَّرَجٰاتِ ذُو الْعَرْشِ و ما أحسن ما نبه اللّٰه على صاحب هذا المقام الذي كان قلبه عرشا للقرآن ذوقا و تجليا فيعلم لذوقه و خبرته اتصاف الرحمن بالاستواء على العرش ما معناه و أمر من ليس يعلم ذلك أن يسأل من يعلمه علم خبرة من نفسه لا علم تقليد فقال تعالى ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا أي فالمسئول الذي هو بهذه الصفة من الخبرة يعلم الاستواء كما يعلمه العرش الذي استوى عليه الرحمن لأن قلبه كان عرشا لاستواء القرآن كما قررناه فانظر ما أعجب تعليم اللّٰه عباده المتقين الذي قال فيهم إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً و اِتَّقُوا اللّٰهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ و معناه أن يفهمكم اللّٰه معاني القرآن فتعلموا مقاصد المتكلم به لأن فهم كلام المتكلم ما هو بأن يعلم وجوه ما تتضمنه تلك الكلمة بطريق الحصر مما تحوي عليه مما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان و إنما الفهم أن يفهم ما قصده المتكلم بذلك الكلام هل قصد جميع الوجوه التي يتضمنها ذلك الكلام أو بعضها فينبغي لك أن تفرق بين الفهم للكلام أو الفهم عن المتكلم و هو المطلوب فالفهم عن المتكلم ما يعلمه لا من نزل القرآن على قلبه و فهم الكلام للعامة فكل من فهم من العارفين عن المتكلم فقد فهم الكلام

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 128
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست