responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 11

أنفسها فهو عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ و الأشياء في الغيب لا كمية لها إذ الكمية تقتضي الحصر فيقال كم كذا و كذا و هذا لا ينطلق عليها في الغيب فإنها غير متناهية فكم و كيف و الأين و الزمان و الوضع و الإضافة و العرض و أن يفعل و أن ينفعل كل ذلك نسب لا أعيان لها فيظهر حكمها بظهور الجوهر لنفسه إذا أبرزه الحق من غيبه فإذا ظهرت أعين الجواهر تبعتها هذه النسب فقيل كم عين ظهرت فقيل عشرة أو أكثر أو أقل فقيل كيف هي فقيل مؤلفة فعرض لها الجسمية فصحت الكيفية بالجسمية و حلول الكون و اللون فقيل أين فقيل في الحيز أو المكان فقيل متى فقيل حين كان كذا في صورة كذا فقيل ما لسانه فقيل أعجمي أو عربي فقيل ما دينه فقيل شريعة كذا فقيل هل ظهر منه ما يكون من ظهور آباء كما ظهر هو من غيره فقيل هو ابن فلان قيل ما فعل قيل أكل قيل ما انفعل عن أكله قيل شبع فهذه جملة النسب التي تعرض للجواهر إذا أخرجها اللّٰه من غيبه فليس في الوجود المحدث إلا أعيان الجوهر و النسب التي تتبعه فكان الغيب بما فيه كأنه يحوي على صورة مطابقة لعالمه إذ كان علمه بنفسه علمه بالعالم فبرز العالم على صورة العالم من كونه عالما به فصورته من الجوهر ذاته و من الكم عدد أسمائه و من الكيف قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ و سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلاٰنِ و اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ و أمثال هذا فيما أخبر به عن نفسه كثير و الأين كان اللّٰه في عماء و هو اللّٰه في السماء : و الزمان كان اللّٰه في الأزل و الوضع وَ كَلَّمَ اللّٰهُ مُوسىٰ تَكْلِيماً فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ فجميع الشرائع وضعه و الإضافة خالق الخلق مٰالِكَ الْمُلْكِ و أن يفعل بيده الميزان يخفض القسط و يرفعه و أن ينفعل يدعى فيجيب و يسأل فيعطي و يستغفر فيغفر و هذه كلها صورة العالم و كل ما سوى اللّٰه قد ظهر على صورة موجدة فما أظهر إلا نفسه فالعالم مظهر الحق على الكمال فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم إذ ليس أكمل من الحق تعالى فلو كان في الإمكان أكمل من هذا العالم لكان ثم من هو أكمل من موجدة و ما ثم إلا اللّٰه فليس في الإمكان إلا مثل ما ظهر لا أكمل منه فتدبر ما قلته فهو لباب المعرفة بالله ثم إن اللّٰه اختصر من هذا العالم مختصرا مجموعا يحوي على معانيه كلها من أكمل الوجوه سماه آدم و قال إنه خلقه على صورته فالإنسان مجموع العالم و هو الإنسان الصغير و العالم الإنسان الكبير أو سم الإنسان العالم الصغير كيفما شئت إذا عرفت الأمر كما هو عليه في نفسه و عينه فانسب إليه و اصطلح كما تريد فلا فضل للإنسان على العالم بجملته و العالم أفضل من الإنسان لأنه يزيد عليه درجة و هي أن الإنسان وجد عن العالم الكبير فله عليه درجة السببية لأنه عنه تولد قال تعالى وَ لِلرِّجٰالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ لأن حواء صدرت من آدم فلم تزل الدرجة تصحبه عليها في الذكورة على الأنوثة و إن كانت الأم سببا في وجود الابن فابنها يزيد عليها بدرجة الذكورة لأنه أشبه أباه من جميع الوجوه فوجب على الإنسان تعظيم أبويه فأمه العالم بأسره و أبوه معروف غير منكور و النكاح التوجه فخرج الولد على صورة أبويه و لما كان الولد لا يدعى إلا لأبيه لا ينسب إلى أمه لأن الأب له الدرجة و له العلو فينسب إلى الأشرف و لما لم يتمكن لعيسى ع إن ينسب إلى من وهبه لها بشرا سويا أعطيت أمه الكمال و هو المقام الأشرف فنسب عيسى إليها فقيل عيسى ابن مريم فكان لها هذا الشرف بالكمال مقام الدرجة التي شرف بها الرجال على النساء فنسب الابن إلى أبيه لأجلها و كمال مريم شهد لها بذلك رسول اللّٰه ص و لآسية امرأة فرعون فأما كمال آسية فلشرف المقام الذي ادعاه فرعون فلم يكن ينبغي لذلك المقام أن يكون العرش الذي يستوي عليه إلا موصوفا بالكمال فحصل لآسية الكمال بشرف المقام الذي شقي به فرعون و لحق بالخسران المبين و فازت امرأته بالسعادة و لشرف المقام الذي حصل لها به الكمال قٰالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فما أنطقها إلا قوة المقام بعندك و لم تطلب مجاورة موسى و لاحد من المخلوقين و لم يكن ينبغي لها ذلك فإن الحال يغلب عليها فإن الكامل لا يكون تحت الكامل فإن التحتية نزول درجة و لما كان كمال مريم بعيسى في نسبته إليها لم تقل ما قالت آسية آسية تقول نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ حتى لا تنتهك حرمة النسبة و مريم تقول يٰا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هٰذٰا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا و هي بريئة في نفس الأمر عند اللّٰه فما قالت ذلك من أجل اللّٰه كما قالت آسية عِنْدَكَ فقدمته و طلبت جواره و العصمة من أيدي عداته و لكن

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 11
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست