responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 695

لفظ التلبية و هو قوله لبيك كما شرع اللّٰه أكبر في تكبيرة الإحرام في الصلاة فأوجب بعضهم تلبية رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و صورتها لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك و في رواية لبيك إله الحق و في رواية إله الخلق فهي واجبة بهذا اللفظ عند هؤلاء و عند جمهور العلماء مستحبة و به أقول و اللفظ بها أولى و اختلفوا في الزيادة على هذا اللفظ و في تبديله كما قلنا و كذلك اختلفوا في رفع الصوت بالتلبية و هو الإهلال فأوجبه بعضهم و به أقول و لكنه عندي إذا وقع منه مرة واحدة أجزأه و ما زاد على الواحدة فهو مستحب و أولى و قال بعضهم رفع الصوت بالتلبية مستحب إلا في مساجد الجماعات ما عدا المسجد الحرام و مسجد منى عند بعضهم و اختلفوا في التلبية هل هي ركن أم لا فقال بعضهم هي ركن من أركان الحج و به أقول فإن اللّٰه يقول فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي و هو قد دعانا إلى بيته فلا بد أن أقول لبيك ثم نأخذ في الفعل لما دعاني اللّٰه أن نأتيه به من الصفات و قال بعضهم ليست ركنا

[القصد إلى اللّٰه بالحج قصد خاص لاسم خاص]

اعلم أن القصد إلى اللّٰه تعالى بهذه العبادة الخاصة الجامعة بين الإحرام و التصرف في أكثر المباحات هو قصد خاص لاسم خاص و هو الداعي إلى البيت بهذا القصد لا إليه لكن من أجله بصفة عبودية مشوبة بصفة سيادة تظهر حكم السيادة في هذه العبادة في النحر لأنه إتلاف صورة و في الرمي بالجمار فإنه وصف فعل إلهي في قوله وَ أَمْطَرْنٰا عَلَيْهِمْ حِجٰارَةً روى أن إبليس تعرض لإبراهيم الخليل في أماكن هذه الجمرات مرارا فحصبه بعدد ما شرع و في زمانها و كذلك في إلقاء التفث فإنه وصف إلهي من قوله سَنَفْرُغُ لَكُمْ و فرغ ربك و الوفاء بما نذر فيه كذلك لقوله أُوفِ بِعَهْدِكُمْ

[ظهور حكم السيادة في عبادة الحج]

و الطواف بالبيت لكون هذا الفعل إحاطة بالبيت من قوله إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ و الذكر فيها من قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ و ذكر اللّٰه لنا أكبر من ذكرنا له إلا أن ذكرناه به لا بنا فذكرنا به أكبر إحاطة فإن في ذكرنا نحن و هو و في ذكره هو بلا نحن قرئ على أبي يزيد إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ قال بطشي أشد يعني إذا بطش العبد به لا بنفسه و إنما قول أبي يزيد عندي فشرحه خلاف هذا فإن بطش العبد بطش معرى عن الرحمة ما عنده من الرحمة شيء في حال بطشه و بطش الحق بكل وجه فيه رحمة بالمبطوش به من وجه يقصده الباطش الحق فهو الرحيم به في بطشه فبطش العبد أشد لأنه لا تقوم به رحمة بالمبطوش به و ما أشبه ذلك من الرمل و السعي و كل فعل له في الألوهية وصف

[فليكن قصدك إلى البيت بربك لا بنفسك]

و إذا عرفت أن القصد إلى البيت من اللّٰه لا إليه فليكن قصدك إلى البيت بربك لا بنفسك فتكون ذا قصد إلهي فإنه تعالى قصد هذا البيت دون غيره من البيوت و طلب من عباده أن يقصدوه بوصف خاص و هو الإحرام و جميع أفعال الحاج و جعل أوله طوافا و آخره طوافا فختم بمثل ما به بدأ عند الوصول إلى البيت فما أمرك بالقصد إلى البيت لا إليه إلا لكونه جعله قصدا حسيا فيه قطع مسافة أقربها من بيتك الذي بمكة إلى البيت و هو معك أينما كنت فلا يصح أن تقصد بالمشي الحسي من هو معك فأعلمك أنه معك

[الدلالة على البيت دلالة لك على نفسك]

ثم إنه ذلك على البيت الذي هو مثلك و من جنسك أعني أنه مخلوق فدلالته لك على البيت دلالته لك على نفسك في قوله من عرف نفسه عرف ربه فإذا قصدت البيت إنما قصدت نفسك فإذا وصلت إلى نفسك عرفت من أنت و إذا عرفت من أنت عرفت ربك فتعلم عند ذلك هل أنت هو أو لست هو فإنه هناك يحصل لك العلم الصحيح فإن الدليل قد يكون خلاف المدلول و قد يكون عين المدلول فلا شيء أدل على الشيء من نفسه ثم تبعد الدلالة بحسب بعد المناسبة فالإنسان أقرب دليل عليه من كونه مخلوقا على الصورة و لهذا ناداك من قريب لقرب المناسبة فقال فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ و قَدْ سَمِعَ اللّٰهُ قَوْلَ الَّتِي تُجٰادِلُكَ

[إنما سمى البيت بيتا للمبيت فيه و المبيت لا يكون إلا ليلا]

و قد تقدم في أول الباب أسرار ظهرت في اعتبار البيت ثم جاء بلفظة البيت لما فيه من اشتقاق المبيت فكأنه إنما سمي بيتا للمبيت فيه فإنه الركن الأعظم في منافع البيت كقولهم الحج عرفة يريد معظمه فراعى حكم المبيت لأنه في المبيت يكون النوم فهو محتاج إلى من يحفظ رحله و نفسه لنومه فإنه في حال يقظته يتصف بحفظ رحله و نفسه فلما راعى فيه المبيت و المبيت لا يكون إلا بالليل لا بالنهار و لهذا راعى أحمد بن حنبل في غسل اليد في الوضوء قبل إدخالها في الإناء لمن قام من نوم الليل خاصة لقوله صلى اللّٰه عليه و سلم فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده فجاء بلفظ المبيت فجعل الحكم في نوم الليل

[ما جعل الحق تجليه لعباده في الحكم الزمانى إلا في الليل]

و لما كان الليل محل التجلي فيه فإن الحق ما جعل تجليه لعباده في الحكم الزماني إلا في الليل فإن فيه ينزل ربنا و فيه كان الإسراء برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 695
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست