responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 687

منه و بين الماء فلم يحرم صيده أن يتناوله و لهذا جاء بلفظ البحر لاتساعه فإنه يعم و كذلك هو الأمر في نفسه فإنه ما من شيء من خلقه إلا و هو يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ و لا يسبح إلا حي فسرت الحياة في جميع الموجودات فاتسع حكمها فناسب البحر في الاتساع فلهذا أضافه إلى البحر و لم يقل إلى الماء لمراعاة السعة التي في البحر فصيد البحر حلال للحلال و للحرام

(وصل في فصل صيد البر إذا صاده الحلال هل يأكل منه المحرم أم لا)

فمن قائل يجوز له أكله على الإطلاق و من قائل هو محرم عليه على الإطلاق و من قائل إن لم يصد من أجله و لا من أجل قوم محرمين جاز أكله و إن صيد من أجل محرم فهو حرام على المحرم و أما مذهبنا في هذا فلم ينقدح لي فيه شيء و لا نرجح عندي فيه دليل إلا أنه يغلب على ظني الخبر الصحيح الوارد أنه إذا لم يكن للمحرم فيه تعمل فله أكله و ترجح أحد احتمالي لفظة الصيد المحرم في الآية لأن الصيد المذكور قد يراد به الفعل و قد يراد به المصيد و لا أدري أي ذلك أراد الحق تعالى أو أراد الأمرين جميعا الفعل و المصيد فمن يرى أنه الفعل لا المصيد فيقول بجواز أكله على الإطلاق و لا معنى لقول من يقول إن صيد من أجله لأني ما خوطبت بنية غيري فإن أمرت أنا الحلال أو أشرت إليه أو نبهته أو أومأت إليه في ذلك أو أعنته بشيء فلي فيه تعمل فيحرم على ذلك و أنا آثم فيه و هذا القول و إن كنت لم أره لغيري و لكن هو من محتملات القول الثالث و هو قوله إن لم يصد من أجله قد يريد بإشارته أو دلالته و قد يريد أن الحلال نوى أن يصيد ما يأكله المحرم

[الحلال لا تحجير عليه في تصرفه]

الحلال لا تحجير عليه في تصرفه فأشبه الحق في هذه الصفة فإن رفع التحجير تنزيه عن التقييد فهي صفة إلهية و ليس لأحد أن يمتنع بتقييده عن تصريف الحق له إذ كان تقييده من تصريفه فله قبول ما يصرفه فيه كما قبل تقييده لا فرق فهذه عبودية محضة خالصة حيث رآها في الحلال من كونه غير محجور عليه ما حجر على المحرم أعني رأى الصفة الإلهية التي ليس من شأنها أن تقبل الاحتجار بل هو الفعال لما يريد كما أنه تعالى أشبه المقيد المحرم في أمور أوجبها على نفسه لعباده في غير موضع كما قال أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ فأدخل نفسه معنا و هذا من أصعب معارض لآية قوله تعالى فَعّٰالٌ لِمٰا يُرِيدُ فإنه ليس بمحل لفعله و وفاؤه بالعهد لمن وفى بعهده لا بد منه لصدقه في خبره فقد فعل ما يريد و ليس بمحل لتعلق إرادته لأنه موجود و لا ترجع إلى ذاته من فعله حال لم يكن عليها فهذا غاية الإشكال في العلم الإلهي و إن تساهل الناس في ذلك فإنما ذلك لجهلهم بمتعلق الإرادة

[القول الثالث أقرب الأقوال إلى الصحة]

و القول الثالث أقرب الأقوال إلى الصحة لأنه أقرب إلى الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا الباب و هذا النظر الذي لنا في هذه المسألة ما هو قول رابع فإنا ما قطعنا بالحكم في ذلك لكن يغلب على ظني ترجيح القول الثالث على القولين و إن لم يكن بذاك الصريح

(وصل في فصل المحرم المضطر هل يأكل الميتة أو الصيد)

فمن قائل يأكل الميتة و الخنزير دون الصيد و من قائل يصيد و يأكل و عليه الجزاء و بالأول أقول فإن اضطر إلى الصيد صاد و عليه الجزاء لأنه متعمد فما خص اللّٰه مضطرا من غير مضطر

[جميع حركات الكون من جهة الحقيقة اضطرارية]

كل مخلوق الاضطرار يصحبه دائما لأنه حقيقته و مع اضطراره فقد كلف فالذي ينبغي له أن يقف عند ما كلف فإن الاضطرار المطلق لا يرتفع عنه و إنما يرتفع عنه اضطرار خاص إلى كذا فجميع حركات الكون من جهة الحقيقة اضطرارية مجبور فيها و إن كان الاختيار في الكون موجودا نعرفه

[المختار مجبور في اختياره]

و لكن ثم علم آخر علمنا به أن المختار مجبور في اختياره بل تعطي الحقائق أن لا مختار لأنا رأينا الاختيار في المختار اضطراريا أي لا بد أن يكون مختارا فالاضطرار أصل ثابت لا يندفع يصحب الاختيار و لا يحكم على الاضطرار الاختيار فالوجود كله في الجبر الذاتي لا أنه مجبور بإجبار من غير فإن المجبر للمجبور الذي لو لا جبره لكان مختارا مجبور في اختياره لهذا المجبور

فالخلق مجبور و لا سيما و الأصل مجبور فأين الخيار
فكل مخلوق على شكله في حالة الجبر و في الاضطرار
تميز المخلوق عن أصله بما له من ذلة و افتقار

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 687
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست