responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 660

قوله كَمِشْكٰاةٍ إلى آخر الآية أعلاما أنه نور كل نور بل هو كل نور و شرع لنا طلب هذه الصفة

فكان صلى اللّٰه عليه و سلم يقول و اجعلني نورا و كذلك كان صلى اللّٰه عليه و سلم

(وصل في فصل التماسها مخافة الفوت)

[السحور فلاح و الفلاح بقاء]

خرج الترمذي عن أبي ذر قال صمنا مع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا السادسة و قام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلنا له يا رسول اللّٰه لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه فقال إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر و صلى بنا في الثالثة و دعا أهله و نساءه و قام بنا حتى تخوفنا أن يفوت الفلاح قيل و ما الفلاح قال السحور و قال هذا حديث حسن صحيح انظر ما أعجب قول هذا الصاحب حيث سمي السحور فلاحا و الفلاح البقاء ينبه أن الإنسان إنما هو في الصوم بالعرض فإنه لا بقاء له فإن الصوم لله أ لا تراه يزول حكمه عن الصائمين بزوال الدنيا فهو في الآخرة يأكل و يشرب بما أسلف في أيام الصوم و هي الأيام الخالية يعني الماضية قال تعالى كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِمٰا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّٰامِ الْخٰالِيَةِ أيام الصوم في الدنيا و الآخرة دار بقاء و أُكُلُهٰا دٰائِمٌ وَ ظِلُّهٰا و السحور أكلة غذاء فنبه إن الإنسان في بقائه آكل لا صائم فهو متغذ بالذات صائم بالعرض فالغذاء باق فسماه فلاحا أي بقاء

[قيومية الرب و قيومية العبد]

و هو من السحر و السحر له وجهان كما ذكرنا وجد إلى الليل و وجه إلى النهار و هو الوقت الذي بين الفجرين كذلك الإنسان له البقاء الذي هو الفلاح و هو السحور في مقامه الذي هو فيه فله وجه إلى الواجب الوجود لنفسه و وجه إلى العدم لا ينفك عن ذلك في أي حالة كان من وجود أو عدم و لذلك سمي ممكنا و دخل في جملة الممكنات فهذه الصفة له باقية و إن ظهر بنعت إلهي في وقت فليس له فيه بقاء و إنما بقاؤه فيما قلناه و لهذا قال الصاحب لما اتصف في ليلته بالقيوم قال تخوفنا أن يفوتنا الفلاح و هو أن ينقضي زمان الليل و ما عرفنا نفوسنا إذ في معرفتنا بها معرفة ربنا لكنهم ما فاتهم الفلاح بحمد اللّٰه بل أشهدهم اللّٰه نفوسهم بالغذاء ليشهدوا أن القيومية له ذاتية و قيومية العبد إنما هي بإمداد ما يتغذى به و لهذا

قال صلى اللّٰه عليه و سلم حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فجعل القيومية للغذاء و إن كان هو القائم بها فكأنه يقول و إن تلبسنا بالتماس هذه الليلة من الاسم الوتر تعالى فلم يغننا ذلك الالتماس عن حظوظ نفوسنا التي بها بقاؤنا و هو التغذي فإن التماسنا لها إنما هو لما ينالنا من خيرها في دار البقاء فما التمسناها بالعبادة إلا لحظ نفسي نبقى به في الدار الآخرة و السحور رب الوقت في الحال و هو سبب في بقاء الحياة الدنيا للعمل الصالح فتخوفنا أن يفوتنا حكمه إذ كان ذلك الحكم عين طلبنا بالالتماس و إن اختلف الدار

[ليلة القدر في الأوتار من الليالي و قد تكون في الأشفاع]

ثم جعلها صلى اللّٰه عليه و سلم في الوتر من الليالي دون الشفع لأنه انفرد بها الليل دون النهار فإنه وتر من اليوم و اليوم شفع فإن اليوم عبارة عن ليل و نهار و لكن في تلك السنة لو ورد النص فإنها قد تكون في الأشفاع إلا في تلك السنة لما ورد في الخبر من التماسها في الأوتار من العشر الآخر و لمعنى آخر أيضا و هو أن الطلب إذا كان في ليالي وتر الشهر كان الوتر حافظا لهذا العبد لما تعطيه هذه الليلة من البركات و الخير و هو في وتر من الزمان المذكر له وترية الحق فيضيف ذلك الخير إلى اللّٰه لا إلى الليلة و إن كانت سببا في حصوله و لكن عين شهود الوتر يحفظه من نسبة الخير لغير اللّٰه مع ثبوت السبب عنده فلو كانت في ليلة شفع و هي سبب لم يكن لهذا العبد من يذكره تذكير حال في وقت التماسه إياها أو في شهوده إياها إذ اعثر عليها فكان محصلا للخير من يد غير أهله فيكون صاحب جهل و حجاب في أخذ ذلك الخير فما كان يقاوم ما حصل له فيها من الخير ما حصل له من الحرمان و الجهل لحجابه عن معطي الخير فلهذا أيضا جعلت في أوتار الليالي فافهم

[ليلة القدر في العشر الأوسط و العشر الآخر]

و جعلت في العشر الآخر لأنها نور و النور شهادة و ظهور فهو بمنزلة النهار إذ سمي النهار لاتساع النور فيه و النهار متأخر عن الليل لأنه مسلوخ منه و العشر الآخر متأخر عن العشر الأوسط و الأول فكان ظهورها و التماسها في المناسب الأبعد و ما رأيت أحدا رآها في العشر الأول و لا نقل إلينا و إنما تقع في العشر الوسط و الآخر

خرج مسلم عن أبي سعيد قال اعتكف رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر و كذلك التجلي الإلهي ما ورد قط في خبر صحيح نبوي و لا سقيم إن اللّٰه يتجلى في الثلث الأول من الليل و قد ورد أنه يتجلى في الثلث الأوسط و الآخر من الليل و ليلة القدر إنما هي حكم تجل

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 660
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست