responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 654

من التأذي فإنه من الايمان أن يعرف منزل الخلوف للصائم عند اللّٰه فهو يستحسن للغرض النفسي ما يستقبحه السليم النظر فكيف حال المؤمن إذا أحس بما يرضي الرب يلهج به فرحا و عندنا بالذوق علامة إيمانه أن يدرك ذلك الخلوف مثل رائحة المسك هنا فإذا ورد مثل هذا الخبر في تشريف هذه الرائحة على أمثالها من الروائح باعتناء اللّٰه بها انجبر قلب الصائم و رغب في الزيادة من الصوم و علم إن الملائكة و رجال اللّٰه لا يتأذون في مجالسته من خلوف فمه فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ورد ذلك في روائح الثوم و أمثاله لا في خلوف فم الصائم فإن تسوك الصائم كان أعلى منزلة ممن لم يتسوك في أي وقت كان فإنه في زيادة عمل يرضي اللّٰه و هو التسوك

[الخلوف ليس للإنسان و إنما هو أمر تقتضيه الطبيعة]

و اعلم أن الخلوف ليس للإنسان و إنما هو أمر تقتضيه الطبيعة للتعفين الذي يكون فيما يبقى في المعدة من فضول الطعام و لم يحجبه بطعام جديد طيب الرائحة فيخرج النفس من القلب فيمر على المعدة فيخرج بما يمر عليه من طيب و خبيث حسا كما يجده الملك معنى إذا كذب العبد الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به يجد ذلك النتن من الكاذب بالإدراك الشمي أهل الروائح فإن كان حاكما و هو من أهل هذا المقام و له هذه الحال و شهد عنده بالزور في حكومة تعين عليه أن لا يمضي الحكم للمشهود له و إن حكم له فإنه آثم عند اللّٰه و هذه مسألة عظيمة الفائدة لأهل الأذواق فإن الحاكم و إن لم يحكم بعلمه فلا يجوز له أن يخالف علمه أصلا و ذلك في الأموال و أما في الأبشار فما يجب عليه إمضاء الحكم على المحكوم عليه لأمر آخر لا أحتاج إلى بيانه و لما كان الصوم سبب الخلوف و الصوم لله وجب على المؤمن أن يحتمل ما يجده من خلوف فم الصائم و راعى اللّٰه تعالى الواجد لذلك بأن أمر الصائم بتعجيل الفطر و تأخير السحور لإزالة الرائحة من أجل جلسائه و جعل له فرحة بالطبع بفطره

(اعتبار آخر في المقابلة)

أمر بتعجيل الفطر و تأخير السحور لتكون المناجاة في هاتين الصلاتين بريح طيبة إذ كان زمن الصوم قد انقضى فخلوفه بعد انقضاء زمن الصوم ما هو خلوف الصائم فإن خلوف الصائم إنما هو في حال صومه ثم إن اللّٰه يقول في هذا الخبر الذي أخبر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أن طيب خلوف فم الصائم عند اللّٰه إنما ذلك في يوم القيامة إذا اتفق للصائم أن لا يزيله فإن أزاله بسواك أو بما لا يفطر الصائم كان أطهر و أطيب و انتقل من طيب إلى طيب و أرضى اللّٰه فإن الخلوف لا أثر له في الصوم و

[جمال كل شيء بما يناسبه و يقتضيه]

قد ورد أن اللّٰه أحق من تجمل له و من التجمل استعمال ما يطيب الروائح و يزيل ما فيها من الخبث

فإن اللّٰه جميل يحب الجمال و كل شيء فجماله بما يناسبه و ما يقتضيه مما يتنعم به المدرك من طريق ذلك الإدراك عينه من سمع و بصر و شم و ذوق و لمس بمسموع و مبصر و مشموم و مطعوم و ملموس ثم إنه قد ورد صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك فمن باب الإشارة صلاتك بربك أفضل من صلاتك بنفسك فأشار إلى السوي و السبعون إشارة في اعتبار الغالب في عمر الإنسان فإن المسبعات كثيرا ما يعتبرها الشرع في البسائط و المركبات و أما طريقة تفسير هذا الحديث فكونه جمع بين طهارتين الوضوء و السواك و المقصود بالوضوء هنا المضمضة و هي من فرائض الوضوء عندنا بالسنة و الفم هو محل المناجاة فإن الصلاة محادثة مع اللّٰه نهارا و مسامرة ليلا و اختصاص سرا أي مساررة و تبليغ جهر القائم و القاعد و الراقد على جنب و إذا كنت من عالم الإشارة و صليت بسواك فلا تصل به إلا من اسمه السبوح القدوس فإن القدوس يعطي التسوك

[الإشارة و التحقيق و الجمع بين الظاهر و الباطن]

و إنما فرقنا في التعبير بين الإشارة و التحقيق لئلا يتخيل من لا معرفة له بما آخذ أهل اللّٰه أنهم يرمون بالظواهر فينسبونهم إلى الباطنية و حاشاهم من ذلك بل هم القائلون بالطرفين كان شيخنا أبو مدين يذم الطرفين على الانفراد و يقول إن الجامع بين الطرفين هو الكامل في السنة و المعرفة و الاشتراك وقع في تلفظه بسواك و الكاف في السواك أصلية من نفس الكلمة و هي في الاستثناء مضافة ما هي أصلية و من جعلها من باب التحقيق نظر إلى كون إضافة المخاطب أمرا واحد فجعلها أصلية في الإضافة كالكلمة الواحدة و اعتبر التركيب فيها اعتبار تركيب الحروف في الكلمة فلا يصح وجود إضافة مثل هذا الخطاب إلا بكاف الإضافة كما لا يصح اسم السواك بغير كاف فانظر ما أدق نظر أهل اللّٰه هذا لو كان ذلك عن فكر لقد كانوا يفضلون به غيرهم فكيف بمن لا ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوىٰ إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الرَّزّٰاقُ و العلم رزق الأرواح ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 654
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست