responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 578

في أي صورة شاء من صور سوق الجنة و ما سمعت عن أحد نبه على هذا المقام إلا عن أبي بكر الصديق رضي اللّٰه عنه في دخوله في حين واحد من جميع أبواب الجنة الثمانية و عن ذي النون المصري في مسائله المشهورة مثل الميت يراه وليه ميتا لا حراك به و يراه الآخر بعينه حيا يسأل في الآن الواحد

[الدخول في الحين الواحد من جميع أبواب الجنة]

أما حديث أبي بكر رضي اللّٰه عنه

فذكره البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم نقول من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل اللّٰه دعي من أي أبواب الجنة يا عبد اللّٰه هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة و من كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد و من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة و من كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام باب الريان فقال أبو بكر ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة و قال هل يدعي منها كلها أحد يا رسول اللّٰه قال نعم و أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر و دعاء اللّٰه الناس إلى الدخول يوم القيامة دعاء واحد لدخول الجنان فيدخل الواحد من الباب الواحد و آخر من بابين و ثلاثة و أعمهم دخولا من دخل من الأبواب الثمانية لأن أعضاء التكليف ثمانية لكل عضو باب فلا تنكره في الثواب في الآن الواحد و أنت تشهده في العمل من فعل و ترك كغاض بصره في حال استماع موعظة في حال تلاوة في حال صيام في حال تصدق في حال ورع في حال تحصين فرج كل ذلك بنية قربة إلى اللّٰه تعالى و في كل باب منازل

كالإيمان بالله بضع و سبعون شعبة أعلاها لا إله إلا اللّٰه و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و لا أذى أعظم من أذى الشرك و لا طريق أعظم من طريق الايمان فختم بمثل ما به بدأ فلا إله إلا اللّٰه نفي ما سوى اللّٰه ممن يدعى أو يدعى فيه الألوهة و إماطة الأذى نفي الأذى عن الطريق فاجتمع آخر الدائرة بأولها و انعطف عليها و ما بين هذين بقية شعب الايمان و لكل شعبة منزل في جنة الايمان فمن علم ما قلناه يدخل من أبواب الجنة كلها في زمان واحد و النشأة الآخرة تعطي هذه الأمور كما أعطت النشأة الدنيا جمع شعب الايمان في الإنسان في زمان واحد و لا يستحيل ذلك

(وصل في فصل إعطاء الطيب من الصدقات عن طيب نفس)

[أطيب الصدقات ما خرجت على حد العلم]

و اعلم أن الطيب من الصدقات هو أن تتصدق بما تملكه و لا تملك إلا ما يحل لك أن تملكه عن طيب نفس و أعلى ذلك أن تكون فيه مؤديا أمانة سماها الشارع صدقة بلسان الرسم فتكون يدك يد اللّٰه عند الإعطاء و لهذا قلنا أمانة فإن أمثال هذا لا ينتفع بها خالقها و إنما يستحقها من خلقت من أجله و هو المخلوق فهي عند اللّٰه من اللّٰه أمانة لهذا العبد يؤديها إليه إما منه إليه و إما على يد عبد آخر هذا أطيب الصدقات لأنها على حد العلم الصحيح خرجت

[يد اللّٰه المنفقة و يد الرحمن الآخذة]

فإذا حصلت في يد المتصدق عليه أخذها الرحمن بيمينه فإن كان المعطي في نفس هذا العبد حين يعطيها هو اللّٰه المعطي فلتكن يده تعلو يد المتصدق عليه و هو السائل و لا بد فإن اليد العليا هي يد اللّٰه و هي المنفقة و إن شاهد هذا المعطي يد الرحمن آخذة منه حين يتناولها السائل فتبقى يده من حيث إن المعطي هو اللّٰه تعلو على يد الرحمن كما هي فإن الرحمن صفة اللّٰه و نعت من نعوته و لكن ما يأخذ منها عينها و إنما يناله منها تقوى المعطي في إعطائه و أكمل وجوهه ما ذكرناه فشهد المعطي أن اللّٰه هو المعطي و أن الرحمن هو الآخذ و أن الرحمة هي المعطي و هي الصدقة فإذا أخذها الرحمن في يده بيمينه جعل محلها هذا العبد فأعطاه الرحمن إياها فلا يتمكن إلا ذلك فإن الصدقة رحمة فلا يعطيها إلا الرحمن بحقيقته و تناولها اللّٰه من حيث ما هو موصوف بالرحمن الرحيم لا من حيث مطلق الاسم و الصدقة تقع بيد الرحمن قبل أن تقع بيد السائل هكذا جاء الخبر

[صدقتك على زيد هي عين صدقتك على نفسك]

فمثل هذه الصدقة إذا أكلها السائل أثمرت له طاعة و هداية و نورا و علما و هذا كله هو تربية الرحمن لها فإن جميع ما أعطته قوة هذه الصدقة في نفس السائل مما ذكرناه من طاعة و هداية و نور و علم يراه في الآخرة في ميزانه و في ميزان من أعطاه و هو المتصدق نائب اللّٰه فيقال له هذه ثمرة صدقتك قد عادت بركتها عليك و على من تصدقت عليه فإن صدقتك على زيد هي عين صدقتك على نفسك فإن خيرها عليك يعود

[أفضل الصدقات]

و أفضل الصدقات ما يتصدق به الإنسان على نفسه فيحضر هذا أيضا المتصدق على أكمل الوجوه في نفسه فمثل هذه الصدقة لا يقال لمعطيها يوم القيامة من أين تصدقت و لا لمن أعطيت فإنه بهذه المثابة فإن كان الآخذ مثله في هذه المرتبة تساويا في السعادة و فضل المتصدق بدرجة واحدة لا غير و إن لم يكن بهذه المثابة فتكون بحيث الصفة التي يقيمه اللّٰه فيها فإن كانت الصدقة صدقة تطوع فهي منة إلهية

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 578
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست