responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 549

ما هو لهم و إنه في أموالهم لا من أموالهم فلا يتعين لهم إلا بالإخراج فإذا ميزوه حين ذلك يعرفون أنه لم يكن من مالهم و إنما كان في مالهم مدرجا هذا هو التحقيق و كانوا يعتقدون أن كل ما بأيديهم هو مالهم و ملك لهم فلما أخبر اللّٰه أن لقوم في أموالهم حقا يؤدونه و ما له سبب ظاهر تركن النفس إليه لا من دين و لا من بيع إلا ما ذكر اللّٰه تعالى من ادخار ذلك له ثوابا إلى الآخرة شق ذلك على النفوس للمشاركة في الأموال

[المال مال اللّٰه و الإنسان مستخلف فيه]

و لما علم اللّٰه هذا منهم في جبلة نفوسهم أخرج ذلك القدر من الأموال من أيديهم بل أخرج جميع الأموال من أيديهم فقال تعالى وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ أي هذا المال ما لكم منه إلا ما تنفقون منه و هو التصرف فيه كصورة الوكلاء و المال لله و ما تبخلون به فإنكم تبخلون بما لا تملكون لكونكم فيه خلفاء و على ما بأيديكم منه أمناء فنبههم بأنهم مستخلفون فيه و ذلك لتسهل عليهم الصدقات رحمة بهم يقول اللّٰه كما أمرناكم أن تنفقوا مما أنتم مستخلفون فيه من الأموال أمرنا رسولنا و نوابنا فيكم أن يأخذوا من هذه الأموال التي لنا بأيديكم مقدارا معلوما سميناه زكاة يعود خيرها عليكم فما تصرف نوابنا فيما هو لكم ملك و إنما تصرفوا فيما أنتم فيه مستخلفون كما أيضا أبحنا لكم التصرف فيه فلما ذا يصعب عليكم فالمؤمن لا مال له و له المال كله عاجلا و آجلا

[الزكاة من حيث هي صدقة شديدة على النفس]

فقد أعلمتك أن الزكاة من حيث ما هي صدقة شديدة على النفس فإذا أخرج الإنسان الصدقة تضاعف له الأجر فإن له أجر المشقة و أجر الإخراج و إن أخرجها عن غير مشقة فهذا فوق تضاعف الأجر بما لا يقاس و لا يحد كما ورد في الماهر بالقرآن أنه ملحق بالملائكة السفرة الكرام و الذي يتتعتع عليه القرآن يضاعف له الأجر للمشقة التي ينالها في تحصيله و درسه فله أجر المشقة و أجر التلاوة

[الزكاة بركة في المال و طهارة للنفس]

و الزكاة بمعنى التطهير و التقديس فلما أزال اللّٰه عن معطيها من إطلاق اسم البخل و الشح عليه فلا حكم للبخل و الشح فيه و بما في الزكاة من النمو و البركة سميت زكاة لأن اللّٰه يربيها كما قال وَ يُرْبِي الصَّدَقٰاتِ فتزكوا فاختصت بهذا الاسم لوجود معناه فيها ففي الزكاة البركة في المال و طهارة النفس و الصلابة في دين اللّٰه و من أوتي هذه الصفات فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً

[الزكاة هي القرض الحسن]

و أما قوله فيها إن تقرضه قرضا حسنا فالحسن في العمل أن تشهد اللّٰه فيه فإنه من الإحسان و بهذا فسر الإحسان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم حين سأله عنه جبريل عليه السلام و ذلك إن تعلم أن المال مال اللّٰه و إن ملك إياه بتمليك اللّٰه و بعد التمليك نزل إليك في ألطافه إلى باب المقارضة يقول لك لا يغيب عنك طلبي منك القرض في هذا المال من أن تعرف أن هذا المال هو عين مالي ما هو لك فكما لا يعز عليك و لا يصعب إذا رأيت أحدا يتصرف في ماله كيف شاء كذلك لا يعز عليك و لا يصعب ما أطلبه منك مما جعلتك مستخلفا فيه لعلمك بأني ما طلبت منك إلا ما أمنتك عليه لأعطيه من أشاء من عبادي فإن هذا القدر من الزكاة ما أعطيته قط لك بل أمنتك عليه و الأمين لا يصعب عليه أداء الأمانة إلى أهلها فإذا جاءك المصدق الذي هو رسول رب الأمانة و وكيلها أد إليه أمانته عن طيب نفس فهذا هو القرض الحسن

[الإحسان أن تعبد اللّٰه كأنك تراه]

فإن الإحسان أن تعبد اللّٰه كأنك تراه فإنك إذا رأيته علمت أن المال ماله و العبد عبده و التصرف له و لا مكره له و تعلم أن هذه الأشياء إذا عملتها لا يعود على اللّٰه منها نفع و إذا أنت لم تعملها لا يتضرر بذلك و إن الكل يعود عليك فالزم الأحسن إليك تكن محسنا إلى نفسك و إذا كنت محسنا كنت متقيا أذى شح نفسك فجمع لك هذا الفعل الإحسان و التقوى فيكون اللّٰه معك ف‌ إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ و من المتقين مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ بأداء زكاته و من المحسنين من يعبدني كأنه يراني و يشهدني و من شهوده إياي علمه أني ما كلفته التصرف إلا فيما هو لي و تعود منفعته عليه منة و فضلا مع الثناء الحسن له على ذلك وَ اللّٰهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

(وصل إيضاح) [فرض الزكاة في الأموال و الأنفس]

و اعلم أن اللّٰه فرض الزكاة في الأموال أي اقتطعها منها و قال لرب المال هذا القدر الذي عينته بالفرض من المال ما هو لك بل أنت أمين عليه فالزكاة لا يملكها رب المال ثم إن اللّٰه تعالى أنزل نفوسنا منا منزلة الأموال منا في الحكم فجعل فيها الزكاة كما جعلها في الأموال فكما أمرنا بزكاة الأموال قال لنا في النفوس قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا كما أفلح من زكى ماله كما ألحقها بالأموال في البيع و الشراء فقال إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ فجعل الشراء و البيع في النفوس و الأموال و في هذه الآية مسألة فقهية كذلك جعل الزكاة في الأموال و النفوس فزكاة الأموال معلومة كما سنذكرها في هذا الباب على التفصيل إن شاء

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 549
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست